كتب عصام سحمراني:تلتف الأسماك حول نفسها وتدور وهي في قمة النشوة تؤدي ختام الرقصة رغم الإنهاك يبدو في نظراتها وإغماضات عيونها، وأقف وسطها مشدوها ومذهولا بتلك القدرة الغريبة على تشكيل السماء بطيورها تحت المياه الصافية المتهادية للبحر، وأحاول تتبع الخطوات.

ضجّت الألوان واخترقت روحي وقلبي ومخيلتي وكياني وهي تعبر من عينيّ وتصوّر لي استلابات شوق من حبيبتي، وتشعرني بنبضات من قلبها، وشذرات من جمالها بالأزرق والرمادي والأبيض والوردي.

تقترب الأسماك بزعانفها أكثر وتضرب أفواهها بي برفق. كانت تلاعبني وتحاول التحدث إليّ فلا أفقه لها لغة، حتى تنجح خطواتي وأشترك معها في الرقصة الفريدة فأدور في دوائرها مخترقا ذرات المياه. حينها تنكشف الرؤية ما بعد النظرات وينكشف الصوت ما بعد الكلمات، فأستمع إلى أجمل وأروع موسيقى خلتها أسطورية خيالية لا وجود لمثلها في الكون.

ترتبط موجات الخواطر في دوراننا فأسمع صوتا يناديني ويسألني: ومن تكون حبيبتك؛ تلك التي ملأتَ البحار والشطآن والسماء بذكرها؟ من تكون وأنتَ تنافس بكلامك رقصاتنا وتقطع علينا موسيقانا فنقف مشدوهات بتأمل جمالها وكمالها وفرادتها؟

ألتفت فأجدني أمام سمكة بيضاء رشيقة كأنها قد زفت من عرس للتو، والإكليل فوق رأسها يتذهّب وquot;البَرَقquot; على وجنتيها يتفضّض.. أُذهل وأرقبها وهي تتصدر وصيفات لها يعزفن موسيقى قلب وحلم تتراقص على ألحانها.

ألتقطها بين يدي برفق فتزداد تلويّا وتحركا ولا تتوقف لحظة عن الدوران. أعيدها إلى الماء ولم تزل بين راحتيّ وأهمس لها: هذه المرة لن أتكلم عن حبيبتي إلاّ فيما يعنيكن أنتن.. هي عروستكم وحوريتكم وأميرتكم.. حبيبتي لها البحر وآيات الغروب.. لها الأمواج والزبد الأبيض.. لها الهبوب والأشرعة والرياح المؤاتية.. حبيبتي لها المياه النقية وتذهّب الشطآن.. لها المرجان والمعادن والأحجار الكريمة ولون الأرجوان..

حبيبتي لها أنا وهي لي! فمن مثلي في الكون بها!؟

تلتفّ السمكة العروس حول نفسها فتنفلت وتنضم إلى صديقاتها ينشدن موسيقى عرس حقيقي، وينظرن ناحيتي ليجدن ما ينشدن في عينيّ حيث انسكبت صورة حبيبتي فيهما منذ الأزل، فانحنين جميعا إجلالا وتقديسا ومودة وغيرة واعترافا بالتفرد والسيادة، وجعلن يتمسحن بقلبي ويطلن النظر في عينيّ وهن مذهولات بالعبق يغطيهن والنسيم يداعبهن، ومضين بعدها حيث شعاع الغروب قد أطبق على العالم بأكمله، فانطلقن معه نحو أمل ملاقاتها في كل جمال يصادفنه وفي كل ألق ينجرفن إليه وفي كل دفء يطلبنه.. رحلن ليروين قصتها لكلّ مخلوقات البحر أسطورة عشق وجمال وتفرد وإبداع، ولم يزل الصوت يتردد مع كل موجة تصلني: ما أروع حبيبته.. هنيئا له بها.

[email protected]
http://essam.maktoobblog.com/