كتب عزيز التميمي:لتحديد الملامح المنطقية لمنظومة القراءة، من حيث أداؤها المعرفي، يجب الكشف عن أهمِّ المركِّبات أو الإحداثيات التي تشكِّل سلطة القراءة. وسلطة النصِّ تمثل المكمِّل الميكانيكي لآلية قراءة النصِّ إذا ما اعتبرنا أن سلطة القراءة تمتد ضمن مؤثِّرين لغويين يشكِّلان البُعد السيميولوجي لتلك السلطة، ألا وهما الدال والمدلول: الدال، ضمن مساحة المفردة اللغوية، يرتكز إلى المفهوم الإشاري أو السيميولوجي المؤدِّي إلى مساحة الكشف أو التأويل؛ أما المدلول، ضمن المساحة ذاتها، فيرتكز إلى مفهوم المعنى الثيمي، أو الحقيقة التي تشكِّل مفهوم الفكرة. ومن هذا الفهم لثنائية الإشارة والثيمة نستنتج العلاقة بين القارئ والنصِّ ضمن تداعيات عملية القراءة. فالقارئ ينتمي إلى المفهوم الإشاري أو السيميولوجي، من حيث الوظيفة التي تكرِّس مفردة الكشف أو الدلالة؛ بينما ينتمي النصُّ إلى المفهوم الثيمي أو المدلولي، من حيث الوظيفة أيضًا.
وهكذا نجد أننا نخوض في تحديد جغرافيات لغوية، تعرِّف عن ثنائيات تعكس بُعدًا يتجاوز البُعد اللغوي. فثنائية الرمز والمعنى لها أكثر من بُعد ضمن إطار اللوحة الفنية وهيكلية التمثال؛ لها أكثر من معنى ضمن مساحات النصِّ الأدبي والطرح البسيكولوجي. وعلى هذا الأساس، يمكننا تشكيل سلطة النصِّ التي تسهم في تشكيل الرؤية الفنية والجمالية المتوخَّاة من عملية الكتابة.
*
وضمن سلطة النص، التي تتشكل من ثالوث المرجع والبنية والرؤية الفلسفية، يمكن لنا تحديد مفهوم الدال والمدلول، إذا اعتبرنا أن النصَّ وحدة معرفية مستقلة، قبل أن تتصل بالقارئ لتشكِّل مركِّبة لوحدة معرفية جديدة تُسمَّى quot;القراءةquot;. فالكتابة، من حيث الأداء المعرفي، تمثل منظومة معرفية تحتوي كلا البعدين: البعد الإشاري والبعد الثيمي. ومن خلال مركِّبات النصِّ نستطيع تشخيص المفاهيم الدلالية (الإشارية) والأخرى المدلولية (الثيمية). فالشكل الخارجي للنص، المتمثل بنسيج لغويٍّ مبنيٍّ وفق رؤية تصورية خاصة بالكاتب، يشكِّل جزءًا من دلالة النص، إضافة إلى الرموز والوقائع الأسطورية والاجتماعية.
تؤدي سلطة النصِّ الدلالية وظيفتها أداءً فاعلاً من خلال التقائها بسلطة القارئ التي تمثل الدلالية الكلِّية. أي أن دلالية النصِّ تمثل نقطة الالتقاء مع القارئ؛ وبالتالي، يجب أن تنخرط ضمن التصور الشكلي الخارجي للنصِّ الذي يعكس آليته الأدائية بتشخيص المسالك والدروب المؤدية إلى منطقة الثيمة في النص، مرورًا ببنية النصِّ، من خلال المنظومة التحليلية في سلطة القارئ؛ أي أنه يمثل انعكاسًا داخليًّا لمركِّبة من مركِّبات النصِّ التي لعبت دورًا إيحائيًّا في اجتذاب القارئ. وتسهم كلُّ إحداثية من إحداثيات سلطة النصِّ في عكس تصور معيَّن ضمن عملية القراءة.
***
تمثل إحداثية المرجع (أو المرجعية المعرفية) لَبِنَة أساسية في سلطة النص؛ إذ تسهم في تدوين مجموعة المفاهيم والعلاقات الاجتماعية والسلوكية والنفسية، وسائر القيم والمفردات التي تشكَّلتْ منها الخلفية المعرفية للنص. فالمرجع يمثل المرتكز الحيوي الذي من شأنه أن يدعم مفهوم القراءة التأويلية، أي أن يعمل بمثابة الدافع أو المحرِّض لتبنِّي وجهة نظر محددة يقصدها القارئ الذي يأمل، من وراء مغامرة القراءة، بإنتاج رؤية معينة.
وبطبيعة الحال، يستطيع القارئ أن يستثمر هذه الإحداثية (المرجع) في إنتاج قراءة نمطية تتصل بالرؤية التاريخية، وحتى بالرؤية الأسطورية أو الميثولوجية للنص. وهذه الأنماط كلُّها، تمثل مقتربات خارجية من حيث التناول التحليلي لهيكليات النص، مثلما تمثِّل القراءةُ للشكل اللغوي الخارجي للنص.
والمرجع، بمفهومه اللغوي، يغطي مساحة واسعة لجملة مفردات ومفاهيم فكرية تشكِّل الهوية المعرفية للنص. بعض هذه المفاهيم أو المفردات يرتبط بالواقع الاجتماعي للكاتب وبكيفية مساهمة هذا الواقع في صياغة وتدوير وجهة نظر أثَّرتْ كأداة معرفية في تشكيل النص: المفاهيم المرتبطة بالأسطورة والخرافة، التي لعبت دورًا حيويًّا وفاعلاً في تدوين حضارات الشعوب والمجتمعات الإنسانية، ومدى حضورها في رؤية الكاتب، كأداة مثمرة في عملية الكتابة؛ المفاهيم النفسية والسلوكية وسطوتها في تشكيل الخلفية الذهنية؛ إضافة إلى الموروث الديني والتاريخي ndash; هذه المرجعيات جميعًا تعمل بشكل متجانس ضمن بيئة يقترحها الكاتب لتكون مسرحًا لنصِّه. ومن خلال هذه البيئة يمكن توقُّع الرؤية الفلسفية الكامنة في نبض النص، التي تعمل دائمًا على أساس الفعل التحريضي للقراءة.
وتأتي هذه الرؤية من خلال طرح إشكالية أحد المرجعيات الآنفة الذكر تجاه الواقع الآخر، الواقع غير المحدَّد، الذي قد يكون واقع النصِّ والقارئ معًا، وأحيانًا واقعًا افتراضيًّا تُمليه ظروف آنية لها علاقة بعنصر الزمان أو المكان أو عملية الخلق أو ثنائية الخير والشر.
ويساهم المرجع، إلى حدٍّ كبير، في تأسيس سلطة النصِّ التي تتناغم مع المنظومة الإرثية في سلطة القارئ؛ أي يمثل التقابل المنطقي في جغرافية كلٍّ من القارئ والنص. فالمرجع في سلطة النصِّ يعكس التشكُّل المعرفي والذهني والسوسيولوجي لمجموعة مفاهيم الكاتب وعلاقاته ورؤاه، بما هو يمثل أداة إنتاج النص؛ بالمقابل، فإن المنظومة الإرثية تعكس المفاهيم ذاتها في سلطة القارئ. أي أن هناك عملية تقابُل مفاهيمي تمثل التلاقي الأول ما بين القارئ والنص. هذا التلاقي يتمحور حول كيفية تأسيس بيئة مشتركة تحتوي مفاهيم الطرفين، من خلال تزاوج معرفي يستعيد مرجعية ممثَّلة بتصورات قد تكون مختلفة، ويحاول أن يصل إلى المعنى الشمولي للمدلول عند الطرفين. بقول آخر، يحاول الرمز المستخدم كوسيلة تعبيرية دلالية في النصِّ أن يؤسِّس تناغمًا دلاليًّا مناظرًا في مرجعية القارئ أو في منظومة القارئ الإرثية. وهذا التناغم يؤدِّي إلى ربط المرجعيات بعضها إلى بعض ضمن أُطُر تتيح إنتاج منظومة مرجعية للنصِّ المنتَج. بعبارة أخرى، تنتج القراءة نصوصًا ذات مرجعيات غنية، تتداخل فيها مرجعيات القارئ ومرجعيات النص.
ويحدث أحيانًا أن تنتمي مرجعيات النصِّ لبيئات إرثية واجتماعية تختلف عن بيئات القارئ ومرجعياته، مما يؤدِّي إلى حدوث نوع من التقابل المفاهيمي الذي ينتج تزاوجًا لغويًّا ومعرفيًّا بين بيئات ومرجعيات مختلفة، تنعكس ثراءً وعمقًا في النصِّ المنتَج.
وعليه، يمكن القول إن سلطة النصِّ تشكِّل أحد الروافد الرئيسية لمنظومة القراءة. ولا يمكن، بأيِّ شكل من الأشكال، تجاوز سلطة النصِّ في تشكيل مفهوم القراءة، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إنتاج رؤية غير متوازنة ونصٍّ مبنيٍّ ضمن أحادية قطبية قد لا تعكس واقع النصِّ المكتوب بقدر ما تعكس رؤية القارئ.
*
تشكِّل البنية في مفهوم سلطة النصِّ المحور الأكثر ديناميَّة، من حيث أداؤها في عكس مفاهيم المرجعية المعرفية للنص؛ أي تعمل على تجسيد الرؤية الفنية والجمالية للنصِّ من خلال تشكيل نسقي تنظيمي لكلِّ العلاقات والتأسيسات الفكرية المستوحاة من بيئات وعوالم ذهنية وأسطورية واجتماعية ساهمتْ في تدوين المناخ الفكري للكاتب، الذي انعكس في منتَج النص، وتمثل حلقة الربط بين المرجعية والرؤية الفلسفية للنص، أي يمكن تصورها بوصفها الهيكل التنظيمي للنص. ومن خلالها تعمل اللغة التي تشكِّل الإطار العام لهذه البنية في تسمية وتحديد العلاقات المفاهيمية التي تسمح لوحدات المعنى أن تؤدي وظيفتها المعرفية.
ويتم اكتشاف بنية النصِّ من خلال استنطاق الشكل الخارجي، أو ما يُسمَّى بالنسيج اللغوي، المتضمِّن مجموعةً من الرموز والإشارات ذات الوظيفة الدلالية. ويمكن إعادة صياغة هذه العبارة بشكل آخر: يتم تحديد بنية النصِّ من خلال القراءة العكسية لمستويين بنائيين: مستوى أفقي لكشف شبكة الرموز والإشارات، ومستوى عمودي لتتبُّع امتداد هذه الرموز والإشارات نحو عمق النص، حيث تتجسد المرجعية المعرفية ضمن جغرافية البنية، لأن الإسقاطات الفكرية التي يمارسها الكاتب لمنظومة مفاهيمه المعرفية ورؤاه لا يمكن الاستدلال عليها إلا من خلال تحليل الوحدات البنيوية للنص. وهذا ما يُسمَّى بالقراءة الاستنطاقية أو البنيوية في مرحلة معينة من مراحل القراءة.
وتلعب البنية دورًا هامًّا في تطويع الأشكال المعرفية لتتخلَّى عن مخططاتها الهيكلية، وتخضع لترتيب لغوي يؤسِّس لمناخ بيئي جديد. هذا المناخ البيئي يتشكَّل من تداخل مجموعة إحداثيات بسيكولوجية وفلسفية لتدوين الأبعاد الفنية والجمالية التي تضمنَّها المرجع، وكيفية تفاعلها في حاضرة الذاكرة الكتابية، أي محاولة لتخصيب بيئات ومفاهيم مرجعية لتأسيس بيئة تساهم في إطلاق التأويل والتبني: التأويل الذي يعرِّف بالنصِّ ويستند إلى مرجعياته. وفي هذه النقطة بالذات يلتقي المفهوم الدلالي الذي يمثِّله القارئ بالمفهوم الدلالي الذي يمثِّله النص، وتحدث حالةٌ من التفاوض المفاهيمي تؤكد على النزوع لإطلاق رؤية فنية يؤسِّس لها كلٌّ من القارئ والنص معًا.
ويمكن ملاحظة العلاقة الديناميَّة بين رؤية القارئ لمفاهيم النصِّ من خلال تراكيبه البنائية وبين حالة التأويل التي تعبِّر عن تفاعل إرادتين ضمن بيئة مشتركة: إرادة تحاول أن تعكس لتأسيس جديد، وإرادة تحاول أن تعكس لمؤسَّس مسبق؛ وفي كلتا الحالتين تكون البنية الفنية للنصِّ هي البيئة التي تسمح بتعميق هذا التفاعل أو تسطيحه.
فالقراءة التي تتجنب الخوض في بنية النص، وتعمل على تدوين التشاكُل والفهم الخاص بالمرجع من خلال اتصال دلالي خارجي، تكون قراءة نمطية، تميل إلى إملاء رؤية القارئ من خلال مرجعية النص؛ أو هي عملية انعكاس مباشر لمؤثرات بيئية في بيئات مناظِرة تبدي استجابات تناغمية وفق رؤية تصورية تقليدية. أما القراءة التي تنزع إلى خلق رؤية فنية وجمالية تنشأ ضمن بيئة مستحدَثة، أنتجتْها إرادات مشتركة ما بين النصِّ والقارئ، فهي التي تعمل من نقطة متوثِّبة على إنتاج قراءة بمفاهيم لا تخضع للتقليدي والنمطي، قراءة تحتمل التأويل الحداثي الذي يعمل على استثمار الطاقات الفنية في التراكيب والبنى اللغوية للبيئة المستحدثة، وتنطلق بالقراءة نحو آفاق واسعة تعتمد في فلسفتها على حضور مجموعة مفاهيم تمسُّ النصَّ وسلطته المعرفية والقارئ وسلطته المعرفية، في تجسيد مباشر لمقولة quot;موت المؤلِّفquot; لرولان بارت، من خلال تفعيل حضور النصِّ ومفاهيمه ضمن بيئة مستحدثة تضمُّ القراءة ومفاهيمها.
ولهذا لا يمكن تجاهل بنية النصِّ إذا ما أراد القارئ أن يحاور لتفعيل رؤية مستحدثة تعكسها رؤية النصِّ المنتَج. وطبقًا لمفاهيم تحليل الخطاب، تعمل سلطة النص، من خلال مفهوم البنية، على تفكيك الرؤية المرجعية والبيئية للنصِّ، وتحليل مفاهيمها السلوكية والفلسفية، وتدوين كلِّ هذه المفردات ضمن بيئة مؤسَّس لها، بيئة تعمل على احتواء هذا التنوع المعرفي وعرضه وفق رؤية تسمح للآخر أن يتحاور معه، يستنطق أو يؤسِّس لتأويل يعمل على خلق توافق دلالي من شأنه أن يستثمر الإرثي والاجتماعي المتراكم لبيئة معينة في خلق رؤية مغايرة في تدوين الفني واللغوي، البدهي والمعاصر، العقلاني واللاشعوري، الواقعي غير المؤسَّس له، أو لنقُلْ الواقعي غير المقروء أو المرئي: المتخيَّل المفاهيمي ضمن رؤية الآن، أو المتخيَّل ضمن رؤية الغد، أو الغد الواقعي برؤية المتخيَّل الآني.
*
ويبقى السؤال الذي يحدِّده مفهوم القراءة: ما هو دور الرؤية الفلسفية للنصِّ في تشكيل رؤية النصِّ المنتَج؟ وهل يعكس النصُّ المنتَج رؤية النصِّ المقروء أم رؤية القارئ؟ أم هو يعكس رؤية فلسفية ترتبط بظروف القراءة، وتساهم مجموعة مفردات، مثل quot;النصquot;، quot;القارئquot;، quot;زمن القراءةquot;، quot;يوتوبيات المكانquot;، إلخ، في صياغة مفهومها؟
في الواقع، إن الرؤية الفلسفية للنصِّ تساهم في تشكيل الرؤية الفلسفية لنصِّ القراءة المنتَج ndash; وهذا شيء جوهري وأساسي في عملية القراءة. إنما السؤال المطروح هو: وفق أية وجهة نظر يتم تدوين هذا التأثير؟
تعمل سلطة النصِّ المتمثِّلة بالبنية أحيانًا على تذويب مجموعة خطابات وأفكار تتصل بمرجعية النص، لتؤسِّس مفهومًا تحديثيًّا، مفهومًا تفاوضيًّا، يعمل على محاورة فعل القراءة المتمثِّل بسلطات القارئ التحليلية، ويحاول، بنفس الوقت، أن يتجنَّب الانخراط كليًّا ضمن مفاهيمية القارئ؛ وبعبارة أخرى، يعمل على تشكيل سلطة تحاورية، تعكس أدواتها التأثيرية في البيئة المؤسَّس لها لكي تستقبل كلا التأثيرين: تأثير سلطة القارئ وتأثير سلطة النص، والابتعاد عن مفهوم المصادرة. وهذا يتوقف على القدرة التأثيرية أو الفعل السحري في سلوكية النص، وكيف استطاع هذا النصُّ اختزان مقوِّماتٍ تميِّزه، فتلفت انتباه آليات التحليل في سلطة القارئ.
وأستطيع القول إن الفعل التأويلي للقراءة، المستنِد إلى آليات التحليل والتفكيك لبنيات النص، يستند إلى مدى إمكانية تحييد المفاهيم التي تمثل انزياحًا لأحد الجانبين، بحيث يخلق رؤية مشتركة تحدِّدها ظروف آنية غيرة مرتبطة أو تابعة لسلطة.
فالرؤية الفلسفية للنصِّ تعمل، بالدرجة الأساس، على خلق رؤية فلسفية ضمن البيئة الجديدة، رؤية تَعِدُ بالتحول وبإطلاق المعنى خارج أسوار البنى التقليدية للنص، لأن بنية النص، وإنْ كانت تحمل تطورًا وتصورًا حداثيًّا في مفهومها، تصبح خارج هذا التصور حينما يتم تفكيكها لتأسيس بنية جديدة ضمن بيئة جديدة في أثناء عملية القراءة. وعليه فإن البنية الجديدة تمثِّل انفتاحًا يحتمل الكثير من التأويل الذي سوف يأتي لاحقًا ضمن عملية القراءة. المطلوب، إذن، تأسيس رؤية فلسفية توافِق النزعة التأويلية ضمن بيئة النصِّ المنتَج. وهذا ما يُسمَّى بتطويع رؤية النصِّ نحو تشكيل رؤية أخرى، الذي يمثِّل أحد المتطلَّبات الحيوية لتأثير الرؤية الفلسفية للنص.
وكلما كان النصُّ قابلاً للتحوُّل في تشكيلاته المفاهيمية وبناه، فإنه يعكس مستوًى متطورًا في حداثته الفنية والبنيوية. وأقصد بالحداثة الفنية والبنيوية تلك القدرة على استلهام الروح التجديدية وتجلِّياتها في مرجعية النص، إضافة إلى تأسيس رؤية فلسفية قادرة على محاكاة رؤية القارئ الفلسفية ضمن تشكيلات البيئة الجديدة؛ رؤية فلسفية حيوية تنفتح على الرؤى الأخرى، الرؤى المغايرة؛ رؤية فلسفية تشتبك مع آليات التأويل، وتساهم في بثِّ بوادر رؤى جديدة تسانِد توجُّهات المفاهيم المعرفية المطروحة ضمن مساحة البيئة الجديدة؛ أي بناء شبكة من العلاقات المفاهيمية التي تسمح بإعادة بناء رؤية فلسفية جديدة للنصِّ المقروء وتشكيلها، ضمن امتدادات ورؤى أخرى أكثر انفتاحًا على مرجعيات أكثر ثراءً ضمن البيئة الجديدة التي تُمازِج بين جملة مرجعيات تنتمي إلى كلٍّ من القارئ والنص معًا.
وبالتالي، تسهم الرؤية الفلسفية، كأداة فاعلة ضمن سلطة النص ndash; أداة مؤثرة، ناشطة، تعمل على توظيف الرؤى الفلسفية الأخرى ndash; في تحديث مفهوم الرؤية، المؤدي، بدوره، إلى رؤية أخرى مستثمِرة لانفتاح اللغة نحو تبنِّي مفاهيم أكثر شمولية في تدوين المعنى. (معابر)
*** *** ***
التعليقات