كتب أحمد تموز:ليس اليوغا، كما هو شائع، مجرد مجموعة من التمارين quot;الرياضيةquot; ينعم ممارسوها بالصحة وسلامة الذهن[1]. أجل، قد تكون العافية البدنية والصحة النفسية والذهنية من ثمار ممارسة اليوغا؛ لكن غايته الحقيقية، كما تشير كلمة quot;يوغاquot; (المشتقة من الجذر السنسكريتي يُغ) هي quot;الاتحادquot;: جمع شتات الملَكات النفسية والذهنية، في شوط أول، والعمل الدائب عليها حتى تصير تدريجيًّا أدواتٍ مطواعةً للعقل، شفافةً لحضوره، في أشواط تالية.

لوحة هندية تمثل الـتشاكرا، أو مراكز الطاقة الرئيسة في الجسم اللطيف التي يشكل تطهيرها وتفعيلها الغايةَ الأساسية من اليوغا الجسماني.
بعض اليوغانيين يرى في الجسد، بنزوعه إلى العطالة واستسلامه لرغبات النفس وشهواتها، مقاومةً سالبة تعيق التطور الروحي؛ ناهيك عن أن quot;السقمquot; من العراقيل الأساسية لممارسة اليوغا، كما يؤكد المعلم الكبير پتنجلي في القواعد التي وضعها للـquot;يوغا الملكيquot; (راجايوغا). فلا مناص، والحال هذه، من السيطرة على الجسم سيطرةً تامة كي يتسنى للذهن أن يقوم بدوره على الوجه الأكمل ndash; وهذه هي العلة الحقيقية من quot;الرياضاتquot; البدنية في اليوغا التي تهدف إلى تقوية الجهاز العصبي وتنشيطه، وإطالة العضلات وإزالة توترها، وتطهير القنوات العصبية (نادي) في الجسم اللطيف، حتى يتسنى للطاقة الروحية اللطيفة (پرانا) أن تسري فيها سريانًا حرًّا من غير عوائق (هذه الحالة الأخيرة أدق تعريف ممكن للصحة البدنية والنفسية).

أما بعضهم الآخر، فيرى أن السيطرة على الجسم هي من قبيل التحصيل الحاصل حينما يتم ضبط الذهن ورفع سوية تركيزه. من هنا فإن الرياضات الجسمانية (هَثايوغا)، من حيث المبدأ، لا تندرج في اليوغا إلا بقدر ما تيسِّر بلوغَ الغاية العليا: الاتحاد، أو التحاق مركَبات الوعي الدنيا (الجسم، المشاعر، الذهن) بالعقل الأرفع (بودهي) وصيرورتها في خدمته
[2].
الصِّلات بين اليوغا والصحة معروفة منذ آلاف السنين، لكنها مازالت، إلى اليوم، غارقةً في ضباب من العموميات المفتقرة إلى الدقة العلمية. أما وقد اقترنت جهودُ طبيب قدير، هو پيار جاكمار، وأستاذة يوغا متمكِّنة، هي سعيدة الكافي، فقد أمكن إلقاءُ ضوء علميٍّ حقيقي على هذا الموضوع الشائك. لذا لا نملك إلا أن نحيِّي صدور الترجمة العربية لكتابهما القيِّم اليوغا العلاجي[3] بعنوان quot;الشفاء باليوغاquot;[4]،
وإن كنا نعيب على هذه الترجمة ركاكةَ لغتها العربية في بعض المواضع وعدمَ اطلاع السيدتين المترجمتين على دقائق الموضوع (الطبية واليوغية على حدٍّ سواء) الذي ترجمتاه اطلاعًا كافيًا.

الغاية الرئيسة من وضع هذا الكتاب غاية عملية في الدرجة الأولى، حيث يجد فيه كلُّ امرئ ما يهمه ويحتاج إليه؛ إذ إن جميع الأمراض الشائعة مفصَّلة فيه. ويقوم المؤلِّفان، في أسلوب بسيط وواضح، بعرض ما يمكن لليوغا أن يقدِّمه للتخفيف عن المريض وحتى لإبلاله. ولا يغفل المؤلِّفان عن ذكر محاذير بعض التمارين وموانعها، بل على العكس يشيران إليها أولاً بأول.
في الكتاب تحليل منهجي مفصَّل، مدعَّم بصور ورسوم، لوضعيات اليوغا (أسَنا) ذات المفاعيل الفسيولوجية الحميدة والتأثيرات العلاجية الدقيقة[5]؛ كذلك الأمر فيما يخص تمارين التنفس (پراناياما) ذات التأثير على الصحة. وللمرة الأولى، على حدِّ علمنا، نجد وصفًا علميًّا دقيقًا للتطبيق الحديث لوضعية قديمة (شافاسَنا)؛ وهذه تمَّ تعديلُها فيما سمَّاه المؤلِّفان بـquot;الـشافاسَنا العلاجيquot; بوصفه منهجًا من شأنه التصدي الفعال لضغوط الحياة العصرية وحتى للأمراض النفسجسمية.
quot;اليوغا العلاجيquot;، منظورًا إليه من زاوية طبية حديثة وناجعة، ييسِّر تبديد أوجاع الجسم واستعادة التوازن الذهني. لذا نتمنى أن يحظى كتابا المؤلِّفين الفرنسيين جاكمار والكافي اليوغا والجنس والشدة النفسية واليوغا والمفاصل بمترجمين قديرين.
أخيرًا، لا بدَّ لنا من التذكير بأن لاستقطاع اليوغا الجسماني من سياقه الروحي العام واستعماله لعلاج الأمراض حصرًا محاذير جمَّة، ويجب ألا يتم إلا بكثير من الدراية والحذر تحت إشراف معلم قدير.