بقلم كريم بقرادوني: زيارة نائب الرئيس الاميركي جوزف بايدن للبنان ثلاث ساعات يوم الجمعة في 22 من الجاري تكتسب أهمية كبيرة رغم قصر مدتها، فهي تحمل دعماً مباشراً للرئيس ميشال سليمان، وتندرج في اطار مساعي التسوية الاقليمية التي سيعلن عنها الرئيس الاميركي باراك اوباما من مصر في السابع من حزيران المقبل.

وتشاء الصدف ان يتزامن اعلان الرئيس الاميركي مشروعه للتسوية في الشرق الاوسط مع توجه اللبنانيين الى صناديق الاقتراع لانتخاب نوابهم. فهل يكون مجلس 2009 النيابي هو المجلس الذي سيقرر التسوية في المنطقة أم ان المنطقة على ابواب حرب تستعد لها اسرائيل عبر أكبر مناورة عسكرية تبدأ في نهاية ايار/مايو الحالي؟

واقعياً أستبعد ان تقدم اسرائيل على شن حرب في وقت تعلن فيه واشنطن خطتها للتسوية والسلام في اثر زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن حيث تبلغ تفاصيل المبادرة الاميركية التي تعتمد على قاعدتين : وقف الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية، وحل النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي على قاعدة قيام دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية تعيشان جنباً الى جنب في سلام وأمن.

ومن المفارقات التي لا يصدقها عاقل ان بعض الدول العربية غير متحمسة لقيام دولة فلسطينية، وتتخوف من تداعيات هذا الكيان الجديد على التوازنات العربية القائمة. أذكر في هذا السياق ان وزير الخارجية الاميركية الاسبق سيروس فانس زار لبنان في شباط 1977 في اطار اعداد خطة سلام اميركية كان يدعو اليها الرئيس الاميركي آنذاك جيمي كارتر. سأل الضيف الياس سركيس حول رؤيته للحل في الشرق الاوسط، أجابه الرئيس اللبناني بجملة محتصرة ومفيدة :quot; لا حل بدون اقامة دولة فلسطينيةquot;. تعجب فانس من جواب سركيس وقال له:quot; انت أول رئيس عربي التقيه يطالب بدولة فلسطينية !quot;.

بالطبع مرت ثلاثون سنة على هذا الكلام، وبات الرئيس الاميركي مقتنعاً بحل الدولتين. ولا أدري اذا ما كان في رئاسة الجمهورية ارشيف حفظ موقف سركيس من حل مشكلة الشرق الاوسط. ولكن ما أعرفه ان الحل على اساس الدولتين هو أفضل ما يمكن التوصل اليه في ظل توازن القوى القائم. وما اريد ان اشدّد عليه ان مجرد اقامة دولة فلسطينية هو المقدمة التي لا غنى عنها لابعاد كأس توطين الفلسطينيين عن لبنان.

والواقع ان موضوع التوطين لا يشكل هاجساً عربياً، ولا يؤثر على التوازن الديمغرافي داخل اي بلد عربي باستثناء لبنان. كما ان الانظمة العربية حيث يقيم الفلسطينيون قادرة على السيطرة عليهم واستيعابهم باستثناء لبنان حيث تنتشر المخيمات بكثرة ، وحيث ينتشر السلاح داخل كل مخيم في غياب رقابة السلطة اللبنانية عليه. في كل حال، المشكلة ان اسرائيل ترفض مجرد طرح موضوع حق عودة الفلسطينيين، والعالم يتصرف على اساس ان التوطين بات أمراً واقعاً لا جدال فيه.

إزاء هذه الحقائق القاسية، أرى ان زيارة نائب الرئيس الاميركي هي فرصة ثمينة باستطاعة الرئيس اللبناني الافادة منها لتحميل ضيفه رسالة مفادها ان كل تسوية في المنطقة تقوم على التوطين تخفي في طياتها بذور فشلها، وان اللبنانيين والفلسطينيين مختلفون على العديد من الامور لكنهم يلتقون على نقطة مركزية وهي ان التوطين مشكلة لا يتحملها لبنان، وضربة لا تتحملها القضية الفلسطينية. فالقبول بالتوطين يعني نهاية لبنان ونهاية القضية الفلسطينية في آن معاً.

ومن المفيد ان يسمع نائب الرئيس الاميركي صوت الرئيس اللبناني المسيحي في هذا الصدد ليستدرك ان ما يكون قد سمعه من بعض العرب حول امكانية تمرير التوطين في لبنان هو أمر مرفوض لبنانياً وفلسطينياً، وفي حال حصوله فإنه لا ينقل المنطقة من الحرب الى السلام ، بل من حرب الى حرب اخرى. إن انغماسنا في خلافاتنا الداخلية لا يجوز ان يَشغلنا عن قضية التوطين خاصة عندما يحضر نائب الرئيس الاميركي الى لبنان. فلا موضوع يعلو على موضوع التوطين، على أهمية المناورات الاسرائيلية والانتخابات اللبنانية.

* وزير سابق ورئيس سابق لحزب الكتائب اللبنانية.