في الوقت الذي يعول فيه مستثمرون وتجار عراقيون وأصحاب مصالح على السياحة الدينية في رمضان، فإن الدلائل تشير الى أن حركة السياحة خلال الأشهر الماضية هي الأقل منذ العام 2003، بحسب رئيس رابطة الفنادق والمطاعم السياحية في كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) محمد صادق .

يرى مزهر يحيى العامل في قطاع السياحة الفندقية أن الاجراءات الامنية، دفعت كثيرين الى العدول عن السفر الى العراق، لاسيما وأن الجهات المعنية لم تضع الخطط الكفيلة بتسهيل زيارات السياح وتهيئة الخدمات لهم ، فما زالت الأجندة الامنية فوق أي اعتبار. ويتابع : لا توجد خطط موضوعة وانما هي سياسات ارتجالية، ومبادرات شخصية يقوم بها أصحاب المصالح لجلب الزائرين. ويضيف: قليلة جدًا هي الفنادق في المدن المقدسة التي يديرها موظفون اكفاء لهم خبرة ودراسة في مجال السياحة .
الانتظار الطويل
ويرى السائح اللبناني حسن محمد الذي يزور الاماكن المقدسة في مدينة كربلاء ، أن هناك بطئاً في اجراءات التفتيش منذ أن وطأت قدماه أرض مطار بغداد إذ يتوجب عليه الانتظار وقتًا طويلاً لحين اكتمال تدقيق الاوراق .
وفي الوقت ذاته،فإن محمد يرى أن زيارة العراق فرصة لا تعوض نظرًا لكثرة الأماكن المقدسة والتاريخية التي تنتشر في أغلب مدن العراق. غير أن الخبير الاقتصادي حيدر حسن يشير الى تحقيق انجازات كبيرة في مجال السياحة والفندقة لاسيما في مدينتي كربلاء والنجف ( 160 كم جنوبي بغداد) ، اذ أنشِئت طوال الاعوام الماضية فنادق ضخمة وفق أحدث التقنيات ، كما عكف المستثمرون على انشاء المطاعم الراقية والمرافق الترفيهية .
لكن رعد حسن ، العامل في القطاع الفندقي في كربلاء يشير الى أن الكثير من الفنادق هذا العام ظلت شاغرة بسبب انحسار الوافدين على المدينة معتبرًا ذلك انتكاسة لحركة السياحة ، داعيًا الى اتباع سياسة دعائية تجذب السائح .
السياحة الداخلية
ويعتقد الخبير السياحي طارق كاظم أن السياحة الدينية الداخلية في العراق مازالت على وتيرتها العالية، لاسيما من والى ايران وتركيا، كما ارتفعت حركة السياحة الداخلية نحو اقليم كردستان لاسيما في فصل الصيف. ويرجع كاظم ذلك الى ارتفاع دخل المواطن ، والاستقرار الامني النسبي .
لكن الموظف في الآثار حسن جاسم يرى أن السياحة في العراق دينية الصبغة بالدرجة الاولى ، أما سياحة الاثار والمواقع الأثرية فمازالت منخفضة الوتيرة ، وتكاد تكون معدومة في بعض الأوقات على الرغم من أن العراق من أكثر دول العالم توفرًا على المواقع التاريخية . ولكي ينهض قطاع السياحة في هذا المجال يرى جاسم أن حركة السياحة تتأثر بالأحداث السياسية، وكلما استتب الامن كانت هناك فرصة لتطبيق سياسة تطوير سياحية تجذب السياح .
وبحسب كاظم، فإن قطاع السياحة يحتاج الى الاموال التي تتوفر اليوم للسياحة الدينية أكثر منها للسياحة الأثرية. وتؤكد افتخار عباس هادي رئيسة لجنة السياحة والآثار في مجلس محافظة كربلاء أن أكثر المواقع الاثرية التي حددت كتلال أثرية منذ 2008 لم يجرَ لها أي مسح أثري منذ اربعينيات القرن الماضي، بسبب قلة الموارد المالية .
غياب الخبرة
والمشكلة الاخرى التي يعاني منها القطاع السياحي ، بحسب امين حسين صاحب مكتب السفر الذي ينظم سفرات سياحية لزيارة الاماكن الدينية بين ايران والعراق وتركيا ، وسابقًا بين العراق و سوريا، فإن أغلب العاملين في قطاع السياحة غير مؤهلين لإدارة المرافق السياحية والفنادق ، وغالبهم ينظر الى السياحة كتجارة تدر الارباح فحسب من غير الانتباه الى أن السياحة تعد واجهة ثقافية للبلد وتعكس صورته بين دول العالم المختلفة .
لكن سهير الحلي خريجة معهد السياحة والفندقة ترى أن ادارة القطاع الخاص لمرافق السياحة تسهم في تطويرها عبر تشجيع اصحاب رؤوس الاموال على الاستثمار وتقديم الدعم الحكومي لهم. كما تدعو الحلي الى الاعتماد على عشرات الخريجين من معاهد السياحة والفندقة الذين يشكون من البطالة ، بغية الاستفادة من دراستهم الاكاديمية في ادارة شؤون الفندقة والسياحة في العراق .
كريم احمد الذي استثمر في قطاع المطاعم في مدينة النجف ( 160 كم جنوبي بغداد) يرى أن تجربته ناجحة ، لكن الازدهار في قطاع المطاعم لن يحقق أي نتائج الا اذا كان ذلك ضمن سياسة شاملة لتأهيل قطاع السياحة بالكامل .
ويشير احمد الى أن الكثير من الاجانب يقبلون على الأكل العراقي ، لكنهم يشكون غياب وسائل الترفيه الاخرى حتى في المدن المقدسة. السائح احمد حسين من البحرين يزور النجف حيث الاماكن المقدسة ، لكنه ينتقد الاجراءات الأمنية الكثيفة عل طول الطريق. ويتابع: الفنادق جيدة نسبيًا لكن هناك غياب للحرفية فيها، اذ تعتمد على موظفين ليسوا اصحاب اختصاص بحسب تجربتي.
كما أن حركة الزائرين في الاماكن المقدسة غير مدروسة ويحتاج الى خبراء لتنظيمها. ويضيف أحمد أن تدفق ملايين الزوار الى الاماكن المقدسة يحتاج الى كادر اداري كبير مسلح بالمعرفة كبديل لسياسات ارتجالية لم تحقق من الاهداف الا الجزء اليسير. وحاول احمد زيارة اماكن سياحية أخرى في كربلاء غير العتبات المقدسة، مثل بحيرة الرزازة ومنطقة عين التمر، وقصر الاخيضر الواقع على مسافة 70 كم جنوب غربي المدينة ، لكنه لم يفلح بسبب سوء التنظيم.