دقت شركة تأمين كبيرة في ألمانيا ناقوس الخطر من تفشي الأخطاء الطبية التي أفضت في العام الماضي إلى موت 19 ألف ألماني. لكن نقابة الأطباء في ألمانيا قالت إن هذا الرقم مبالغ فيه.


يتوجه آلاف العرب سنويًا، وخصوصًا من الخليج، إلى ألمانيا لتلقي العلاج. ورغم الثقة الكبيرة بمستوى الطب الألماني، وحسن الرعاية في المستشفيات، فإن على الراغب في العلاج في المستشفيات الألمانية أن يبدي أكبر الحرص في اختيار الطبيب والمستشفى الملائمين. وهذا، في الأقل، ما تنصح به شركة التأمين الصحي الألمانية الرسمية quot;اوكquot; المواطنين الألمان أنفسهم.

نسب عالية

وقرعت quot;اوكquot; نواقيس الخطر في ردهات المستشفيات الألمانية، بتقريرها الذي يتحدث عن أخطاء كان من الممكن تجنبها، تتسبب للمرضى بمعاناة طويلة. ويتعرض مئات الآلاف من الألمان سنويًا إلى مضاعفات تتراوح بين البسيطة والخطيرة والقاتلة بسبب الأخطاء الطبية الناجمة عن خطأ في التشخيص أو العلاج، أو بسبب أخطاء الكادر الصحي والاداري. وجاء في تقرير quot;اوكquot; لسنة 2014 أن 19 ألف ألماني يلقون حتفهم في المستشفيات الألمانية بسبب هذه الأخطاء القاتلة.

شككت نقابة الأطباء الاتحادية بهذه الاحصائية حال نشرها، واتهم رئيس النقابة، البروفيسور فرانك اولريش مونتغومري، شركة التأمين الصحي بممارسة مناورة سياسية مفضوحة. ووفق تقرير شركة التأمين الصحي الرسمية، التي توفر التأمين الصحي لأكثر من 24 مليون ألماني (ثلث السكان)، فان عدد ضحايا الأخطاء الطبية القاتلة يزيد 5 مرات عن عدد ضحايا حوادث الطرق. وأدت نسبة 5-6% من عدد حالات العلاج في المستشفيات، وبلغ مجموعها 18,8 مليون حالة، إلى نتائج سلبية. وتمتد هذه المضاعفات بين الحساسيات والتهابات الجروح والوفاة. قادت نسبة 1 بالألف من هذه الأخطاء إلى الموت، وهذا يعني وفاة 19 ألف مريض قياسًا بعدد المعالجات العالي. وهذه نسبة عالية، بحسب تقدير خبراء quot;اوكquot;، ولا تليق بسمعة بلد متقدم صحيًا كألمانيا.

ممكن تجنب نصفها

وقدر البروفيسور ماكس جيريدت، الذي أشرف على دراسة quot;اوكquot;، أن نصف الأخطاء الطبية التي قادت إلى الموت كان تجنبها ممكنًا. وتنطبق هذه الحال على التهابات جروح ما بعد العمليات، التي تشكل 4% من مجموع المضاعفات غير اللازمة، لأن تحسين الإجراءات الوقائية، والعناية بتطهير أجهزة العمليات، وغرف المستشفيات، كفيل بتقليلها. ويبدو أن قضية تعقيم اليدين في المستشفيات، من قبل الكادر الطبي، يلعب دورًا مهماً في زيادة حالات التهاب الجروح، وتشكل 50% من أسباب تلوث الجروح. وسبق لخبراءquot;اوكquot; أن نبهوا إلى ضرورة التخلي في المستشفيات عن الأبواب التقليدية واستبدالها بأخرى تنفتح وتنغلق اوتوماتيكيًا، لأنه ثبت أن أكرة الباب أخطر أحيانًا من يد ممرضة ملوثة بالبكتيريا.

عمليات... تجارية

ويرى تقرير أكبر شركات التأمين الصحي الألمانية أن المستشفيات الألمانية تجري الكثير من العمليات الجراحية التي لا لزوم لها، وخصوصًا في عمليات الفقرات والعظام والمفاصل. وقال الدكتور اوفه دريه، عضو مجلس الشركة: quot;حين يكون دافع العملية تجاريًا وليس صحيًا، فإن حياة المريض تصبح في خطرquot;.
تتراوح الأخطاء الطبية التي يرتكبها الأطباء الألمان بين الخطأ في التشخيص، أو في وصف العقار غير المناسب، أو إجراء العمليات الجراحية التي لا لزوم لها، في حين تتراوح النتائج بين المضاعفات البسيطة والندب الدائمة، بل وحتى الموت.

وهذا ما جاء كمثل في التقرير السنوي لنقابة الأطباء الألمان حول مخاطر المهنة للعام 2011. واعترف هذا التقرير آنذاك بأن عدد الأخطاء الطبيةquot;الفنيةquot; لم يتراجع عن معدله في العام 2010 وإنما زاد بشكل طفيف. وأقام 11100 مريض الدعوى ضد الأطباء، وضد شركات التأمين الصحي، مطالبين بتعويضات عمّا لحق بهم من أضرار بسبب أخطاء الأطباء. وتركزت معظم هذه الشكاوى على عمليات جراحية أجراها الأطباء الألمان لمرضى في مناطق المفاصل الأساسية من الجسم، وخصوصًا الركبتين والحوض والكتفين.

إنها مبالغة!

لم تبدِ نقابة الأطباء الاتحادية ارتياحها من تقرير quot;اوكquot; ووصفته بالمبالغة، كما شكك بعض الأطباء بالاحصائية. ووصف فرانك اولريش مونتغومري، نقيب الأطباء الألمان، الدراسة بمناورة سياسية مفضوحة. واضاف مونتغومري أن الأخطاء ترتكب في كل مكان، وفي مجال الطب أيضًا: quot;لكننا لا نخفي هذه الأخطاء تحت السجادة، وإنما ننظفها تمامًا ونتعلم منهاquot;. وأكد نقيب الأطباء انهم يتعاملون مع كل خطأ طبي جديد كخطأ زائد لا لزوم له.

تعامل الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي يقود التحالف الحكومي ببرلين، مع تقرير شركة التأمين الصحي بحيادية ظاهرة بين الشركة ونقابات الأطباء المختلفة. وقال ينز شبان، خبير الحزب في الشؤون الصحية، أن على الجهات الصحية أن تتعلم من أخطائها بما يصب في خدمة الطب والمواطن. وطالب شبان بتأسيس معهد خاص لأرشفة وتحليل المعطيات حول الأخطاء الطبية، وعدم الاعتماد على احصائيات ودراسات شركات التأمين فقط.