نجح علماء في تحديث خريطة الدماغ البشري مشيرين في كشفهم الحديث إلى أن الدماغ يحتوي 180 منطقة مؤثرة على سلوكيات وأحاسيس الإنسان، وتعتبر هذه الخريطة الأكثر شمولًا حتى الآن وقد تحل مكان خريطة برودمان لتصبح معيار الباحثين في تناول مناطق الدماغ المختلفة. 

إيلاف من بيروت: منذ أكثر من قرن، عندما قام اختصاصي الأعصاب الألماني كوربينيان برودمان بتشريح الدماغ البشري ورسم خريطة له، حدد 50 منطقة مختلفة في قشرة الدماغ، وهي الطبقة الخارجية المتجعدة المسؤولة عن خصائصنا البشرية. 

تمكّن الباحثون من تحديث الخريطة القديمة للدماغ، ما يشكّل إنجازًا علميًا غير مسبوق يبيّن أنّ الدماغ البشري يتضمّن على الأقل 180 منطقة مختلفة تؤثّر في اللغات والإدراك والوعي والفكر والانتباه والإحساس. وتعتبر هذه الخريطة الأكثر شمولًا لقشرة الدماغ حتى الآن، ومن المتوقع أن تحلّ مكان خريطة برودمان فتصبح هي المعيار الذي يستعين به الباحثون لتناول مناطق الدماغ المختلفة. 

وقام علماء من جامعة واشنطن في سانت لويس بإنشاء هذه الخريطة عن طريق دمج صور الرنين المغناطيسي المفصّلة لأدمغة 210 شبّان بصحة جيدة بعد موافقتهم على المشاركة في مشروع هيومن كونيكتم Human Connectome، وسيسمح هذا الجهد الكبير بفهم طريقة ترابط الخلايا العصبية في الدماغ.

تجدر الإشارة إلى أنّ الخرائط السابقة للدماغ البشري قد أنشئت من خلال التركيز على جانب واحد فقط للأنسجة مثل شكل الخلايا تحت المجهر أو درجة نشاط مناطق الدماغ عندما يقوم الإنسان بمهمة معينة. لكنّ الخرائط المكوّنة بطرق مختلفة لا تبدو متشابهة دائمًا، ما يثير شكوكًا حول توقف جزء من الدماغ ليبدأ جزء آخر بالعمل.

نقطة تحول
وبحسب مجلة نيتشر Nature العلمية فقد قام ماثيو غلاسر وباحثون آخرون بجمع صور خاصة بتركيبة الدماغ ووظيفته وتواصل أجزائه، حتى يرسموا الخريطة الجديدة التي أكّدت وجود 83 منطقة معروفة في الدماغ، واكتشفت 97 منطقة جديدة. تمّ التقاط بعض الصور حين كان المرضى يستريحون ببساطة داخل الآلة، بينما سُجّل البعض الآخر أثناء قيامهم بحلّ مسائل حسابية أو الاستماع إلى قصص أو تصنيف الأشياء، مثلاً تحديد ما إذا كانت صورة ما تعود إلى أداة أو حيوان.

ستجعل الخريطة المفصّلة، التي ستصبح في متناول الجميع، العلماء العاملين في مجال تصوير الأعصاب أكيدين أكثر من المناطق الدماغية التي يلاحظون فيها نشاطاً أو مرضاً عند تصويرهم للمرضى أو للمتطوّعين الأصحّاء.

كما سيكون للخريطة تأثير مباشر وفوري في بحوث الدماغ كما أنّها ستجذب جرّاحي الأعصاب القادرين على استخدام الخوارزميات العلمية الحاسوبية لتحديد المناطق المختلفة في دماغ المريض، "ما سيساعدهم على تفادي إيذاء المناطق المسؤولة عن الحركة أو فهم اللغة وتكلّمها"، بحسب تصريح غلاسر.

تشخيص الخرف
على المدى البعيد وربما بعد سنوات كثيرة، من المتوقع أن تقوم خرائط الدماغ بمساعدة علماء الأعصاب على فهم الخلل الذي يصيب بعض الأشخاص الذين يعانون اضطرابات مثل الخرف أو الفصام.

وأشار عالم الأعصاب الألماني سيمون إيكخوف إلى أنّ هذا الاكتشاف كان خطوة إبداعية نحو إنشاء خرائط شاملة وموثوقة للدماغ البشري وفهم تركيبته. أما تيموثي بهرنز، وهو أستاذ في علم الأعصاب الحاسوبي في جامعة أكسفورد، فأضاف أنّ "الجهد الكبير المبذول لإنجاز الخريطة بشكل مميّز يجعلها قطعة فنية رائعة ستؤدي إلى تغيير جذري في تفكير الناس حول دماغهم وستتحول إلى الطريقة الافتراضية المستخدمة لوصف النشاط الدماغي في السنوات المقبلة".

ترجمت إيلاف هذه المادة عن "ذا غارديان" البريطانية:
https://www.theguardian.com/science/2016/jul/20/updated-map-of-the-human-brain-hailed-as-a-scientific-tour-de-force