"إيلاف": تعتبر منطقة الدولوميت " Dolomites" في منطقة التيرول الإيطالية واحدة من أهم المناطق السياحية في القارة الأوروبية، فهي منطقة فريدة جدا في عالم السياحة، لأنها تجمع بين السياحة العلمية والسياحة الترفيهية، خاصة للمهتمين بعلوم الجيولوجيا وطبقات الأرض.

مازالت تلك الجبال التي سميت المنطقة باسمها، تحتفظ بالتكوينات الجيولوجية القديمة، وطبقات الصخور الرسوبية التي تكونت قبل 250 مليون عام، في الحقبة الجيولوجية الوسطى التي تحتوي على شواهد أحفورية عظيمة.

تكونت هذه الصخورالفريدة من مخلفات الأحياء الدقيقة، والطحالب البحرية، والأسماك، والبرمائيات والأوليات، والقواقع والمحار، والأمونيتات التي عاشت في البحار الدافئة خلال حقبة الحياة الوسطى، وقبل انفصال القارات، وتعتبر هذه الأحياء هي المكون الأساسي للصخور الرسوبية المعروفة بـالطباشير، كما سيطرت الديناصورات على اليابسة خلالها وانتهت تماما بنهاية هذه الحقبة.

يفرق الجيولوجيون بين صخور الحجر الجيري الذي يتكون من كربونات الكالسيوم، وصخورالدولوميت الغنية بالماغنسيوم، بأن كلاهما نشأ في نفس البيئة، حيث تكونا من تراكم كربونات الكالسيوم ورواسب الكربونات، لكن الصخور الجيرية التي تعرضت إلى مياه جوفية غنية بالماغنسيوم تحولت إلى دولوميت.

ليس كل السياح مهتمون بالتعرف على جيولوجيا المكان، بل إن بعضهم يذهب للترفيه والتمتع فقط بجمال طبيعة المنطقة، دون الاهتمام بالخلفية العلمية للمكان، لهذا نجد أن سياحة الترفيه مستمرة طوال السنة وهي تجري في عدة أشكال أهمها تسلق الجبال أو ممارسة رياضة المشي بين دروبها، أو ركوب الدرجات الجبلية أو التزحلق علي الجليد فوق المنحدرات في فصل الشتاء.

لا شك أن أكثر ما يجذب السياح في منطقة الدولوميت هي المسارات الممتدة بين قممها الـ 18 والتي يزيد ارتفاع كل منها على300 متر، وتغطي مساحة تصل إلى 500 كيلو متر مابين قمم عمودية ومنحدرات صخرية شاهقة وعدد كبير من الأودية الضيقة والعميقة والطويلة، فهي بحق تعتبر من أكثر المناطق الجبلة روعة على الاطلاق.

سنذهب الى واحدة من أجمل المناطق في تلك السلسلة الموجودة في مقاطعة بلسانو وهي كارازي Carezza ، تستغرق الرحلة حوالي الساعة من بلزانوا الى كارازي، حيث نسير إلى قمة الجبل في طريق متعرجة شديدة الوعورة صعودا أو هبوطا، لكنها طوبوغرافيا المكان هنا.

تنوع اللغات

تنتشر القرى الريفية، والبلدات في جميع أنحاء الدولوميت ، وتتنوع اللغات ما بين الألمانية والإيطالية واللاتينية القديمة التي يتحدث بها بعض أبناء القرى الجبلية. لكن يجب الوقوف قليلا في مدينة "بولزانو" أو "بوزن" باللغة الألمانية نظرا لأهميتها فهي عاصمة جنوب التيرول وهي مفترق الطرق الى القرى الجبلية المحيطة بالمكان، فالجبال تحيط بها من كل جانب، وتضم حدائق جميلة، ومنتزه تصطف على جانبيه مختلف أنواع الأزهار، وفي متحفها الأثري يمكن مشاهدة مومياء رجل الثلج الجليدية ، ذلك أنها محفوظة بشكل جيد للغاية ، ويعود تاريخها إلى عصر البرونز. ومن أجمل المدن القريبة من بلزانو هي كورتينا دامبيزو هي قرية عصرية في مقاطعة بيلونو.

غناها بالمتاحف

لا تتميز كورتينا بوفرة المناظر الطبيعية فحسب ، بل أنها تتميز بالعديد من المتاحف، والمعارض الفنية، والمطاعم الفاخرة بالإضافة إلى واحدة من أشهر منتجعات التزلج على الجليد في العالم.

اتجهنا إلى محطة التليفريك الجبلية المسماة فيلشنوف" Welschnofen" وهي بداية انطلاقنا إلى أعلى جبال الدولوميت، حيث سنقوم بجولة السير على الاقدام، والتي سنقطع فيها مساقة 17كيلو متر ما بين الذهاب والإياب بين قمم الجبال.

من أعلى القمة شاهدنا أيضا في الوادي حديقة الدراجات التي تبلغ مساحتها 3500 متر مربع، وهي ساحة مخصصة لهواة ركوب الدرجات، التي يأتي إليها السياح من كل أرجاء القارة الأوروبية في الدولوميت.

بصفة عامة اندهشت لكثرة السياح القادمين من مختلف الأعمار للتجول بين قممها، فالطقس كان مثاليا وهم يقولون إنه ممكن أن يتغير فجأة، لكن الطقس بشكل عام في المنطقة مستقر وثابت طوال أيام السنة ولم يتغير طوال فترة زيارتنا.

طبيعة خريفية خلابة
لكنهم يقولون ان الخريف يأتي في وقت مبكر ومصحوب بالصقيع. رغم ذلك لا تتوقف رغبة الناس الذين يتدفقون إلى المنطقة ، لأنهم يريدون رؤية الأشجار متعددة الألوان في الخريف أو الثلوج وقت الشتاء ومع أن الصيف قصير إلا أنه يكون ذروة الموسم السياحي في المنطقة .

وادي ايجنتال

من فوق قمم جبال الدولوميت تجد نفسك تطل على وادي ايجنتال Eggental وبالكامل، ونبدأ جولة السير في مجموعة مكونة من 5 أشخاص، وفي صحبة جمال الطبيعة يمر الوقت دون أن نشعربه ونحن نواصل السير في التعرجات المختلفة، نتمتع مرة بالنظر إلى قمم الجبال الشاهقة ومرة بإطلالة الوادي الخضراء الرائعة.

مع نهاية اليوم تنتهي الجولة، لكن لا يمكن أن نعود قبل أن نتناول طعام الغذاء في كوخ إشيطالي في الجبل، إنه طبق رائع من مهروس البطاطس والذرة ولحم الغزال وبذلك انتهت الرحلة مع رغبة في العودة مرة أخرى للسير في الدولوميت وتأمل جبالها في هدوء وسكينة.