إيلاف من لندن: على مدار عقود، كانت إسبانيا وجهة السفر المفضلة للبريطانيين الباحثين عن الشمس، البحر، والاسترخاء السهل. المدن الساحلية مثل مايوركا، جزر الكناري، وكوستا ديل سول أصبحت تقريبًا امتدادًا للمشهد البريطاني، حيث تنتشر الحانات الإنجليزية، والمطاعم التي تقدم فطور "الإنجليش بريكفاست"، وحتى مجتمعات من المغتربين البريطانيين الذين جعلوا من الشواطئ الإسبانية وطنًا ثانويًا.
لكن اليوم، ثمة تحوّل ملحوظ في عادات السفر البريطانية. لم تعد إسبانيا تحتكر القمة كوجهة سياحية أولى للمسافرين القادمين من المملكة المتحدة، فالمغرب يبرز كبديل جذاب، ليس فقط بسبب تنوّعه الثقافي الفريد، بل أيضًا بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، وحتى السياسية التي ساهمت في إعادة توجيه البوصلة السياحية نحو شمال إفريقيا.
السياحة الجماعية
منذ سنوات، تتزايد مشاعر الاستياء في المراكز السياحية الإسبانية بسبب السياحة الجماعية أو ما يُعرف بـ"Overtourism". في مدن مثل برشلونة، مايوركا، وجزر الكناري، أصبحت احتجاجات السكان المحليين ضد التدفق السياحي المفرط مشهدًا متكررًا، حيث يرون أن الزيادة الهائلة في أعداد السياح أدت إلى رفع أسعار العقارات، تآكل الهوية المحلية، وزيادة الازدحام داخل الأحياء السكنية.
في جزر الكناري، على سبيل المثال، رفعت لافتات تطالب السائحين "بالعودة إلى بلادهم"، بينما شهدت مايوركا احتجاجات مشابهة، تدعو إلى تقليل أعداد الزوار. هذا التوتر خلق شعورًا بعدم الترحيب لدى بعض السائحين، مما دفعهم إلى البحث عن وجهات بديلة، حيث يمكنهم الاستمتاع بجو دافئ وثقافة غنية دون الشعور بأنهم غير مرغوب فيهم.
لماذا المغرب؟
1. المناخ المثالي
في مواجهة ارتفاع تكاليف السفر إلى أوروبا الغربية، يُعد المغرب خيارًا مغريًا من الناحية الاقتصادية. تذاكر الطيران والإقامة في الفنادق وحتى تكاليف الطعام والنقل أرخص بكثير مقارنة بإسبانيا، مع تقديم تجربة لا تقل فخامة.
إضافة إلى ذلك، يتمتع المغرب بمناخ مشمس على مدار العام، مع درجات حرارة دافئة حتى خلال أشهر الشتاء، ما يجعله بديلاً مثاليًا للراغبين في الهروب من برد بريطانيا القارس دون الحاجة إلى دفع تكاليف باهظة مقابل رحلة طويلة إلى الكاريبي أو جنوب شرق آسيا.
2. سهولة الوصول
شركات الطيران بدورها استجابت لهذا التحول في أنماط السفر. في السنوات الأخيرة، وسّعت الخطوط الجوية البريطانية وشركات الطيران الاقتصادية مثل رايان إير وإيزي جت رحلاتها إلى المغرب، لتشمل مدنًا مثل مراكش، أكادير، وطنجة، مما جعل السفر إلى المغرب أسهل من أي وقت مضى.
إطلاق رحلات مباشرة جديدة، مثل تلك التي تقدمها الخطوط الجوية البريطانية إلى أغادير، عزز إمكانية الوصول وساعد في تحويل المغرب إلى وجهة رئيسية للعطلات.
3. التنوع الثقافي
المغرب ليس مجرد بديل أرخص لإسبانيا، بل هو وجهة تقدم تجربة مختلفة تمامًا. الأسواق الصاخبة في مراكش، الأحياء التاريخية في فاس، شواطئ الصويرة، وجبال الأطلس توفر تنوعًا سياحيًا يندر العثور عليه في أوروبا.
السائح البريطاني الذي اعتاد على الشواطئ الأوروبية بات يبحث عن تجارب أكثر أصالة، من الإقامة في رياض تقليدي داخل مدينة قديمة، إلى رحلات الجمال في الصحراء الكبرى، إلى استكشاف المطبخ المغربي بمزيجه الفريد من التأثيرات الأمازيغية، العربية، والفرنسية.
هل تواجه مصر والجزائر التحوّل نفسه؟
رغم أن المغرب يتصدر المشهد السياحي في شمال إفريقيا بالنسبة للبريطانيين، إلا أن هناك اهتمامًا متزايدًا بمصر والجزائر، وإن كان بوتيرة أبطأ.
مصر، التي لطالما كانت وجهة تاريخية مفضلة لعشاق الآثار، تشهد انتعاشًا سياحيًا بعد سنوات من التباطؤ. مشروع المتحف المصري الكبير في الجيزة، الذي يعد واحدًا من أكبر المتاحف الأثرية في العالم، والرحلات النيلية الفاخرة، تساهم في إعادة مصر إلى خريطة السياحة العالمية.
أما الجزائر، فقد بدأت تثير اهتمام المسافرين الباحثين عن تجارب غير تقليدية. مع امتلاكها بعضًا من أجمل المناظر الطبيعية في شمال إفريقيا، من الكثبان الرملية في الصحراء الكبرى إلى المدن العتيقة مثل القصبة في الجزائر العاصمة، فإن الجزائر تجذب المسافرين الذين يبحثون عن أماكن غير مزدحمة وذات طابع أصيل.
ماذا يعني هذا التحوّل لمستقبل السياحة؟
تحوّل المسافرين البريطانيين من إسبانيا إلى المغرب ومصر والجزائر لا يشير فقط إلى تغير في تفضيلات السفر، بل يعكس أيضاً واقعًا جديدًا في صناعة السياحة العالمية.
1.نهاية احتكار
لم تعد الشواطئ الإسبانية والفرنسية والإيطالية الخيار الوحيد للسياح الأوروبيين، حيث باتت الوجهات الأفريقية والآسيوية أكثر قدرة على المنافسة من خلال الجمع بين التجربة الفريدة والتكلفة المنخفضة.
2. التجربة الثقافية
السياح اليوم لا يبحثون فقط عن الشمس والبحر، بل عن تجارب غنية بالتفاعل الثقافي والاستدامة البيئية، وهي مجالات يتفوق فيها المغرب على العديد من الوجهات الأوروبية المكتظة.
3.إعادة تشكيل البنية التحتية السياحية
مع تزايد عدد الزوار، تضطر الدول المستفيدة من هذا الاتجاه إلى تطوير بنيتها التحتية السياحية. المغرب، على سبيل المثال، يشهد طفرة في بناء الفنادق الفاخرة، وتحسين وسائل النقل، وتعزيز البرامج الثقافية لجذب المزيد من الزوار.
تحول دائم؟
فيما تواصل إسبانيا مواجهة تحديات السياحة الجماعية وارتفاع تكاليف السفر، يبدو أن المغرب، ومعه مصر والجزائر، في موقع مثالي للاستفادة من هذا التحول. قد يكون هذا التغيير جزءًا من اتجاه أوسع يعيد تشكيل ملامح السياحة العالمية، حيث يتحول التركيز من الوجهات التقليدية المألوفة إلى أماكن توفر تجارب أكثر تفردًا وأصالةً واستدامةً.
إذا كان هذا الاتجاه مستدامًا، فقد نرى في السنوات القادمة تغيرًا جذريًا في خريطة السياحة البريطانية، حيث تصبح شوارع مراكش وأهرامات الجيزة وحتى وديان الجزائر أماكن مألوفة بنفس قدر شواطئ كوستا برافا وجزر الكناري.
* أعدت إيلاف التقرير عن "TTW": المصدر
التعليقات