بعد الفيتو الروسي الصيني ضد قرار إحالة جرائم النظام السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، تفكر واشنطن وحلفاؤها في بديل قد يكون محكمة خاصة بتفويض أممي تُنصب في الاردن أو تركيا.


لميس فرحات من بيروت: في الوقت الذي تلتزم فيه كل من روسيا والصين بالفيتو لمنع فتح تحقيق أممي بجرائم الحرب السورية، يبدو أن الولايات المتحدة تستكشف مجموعة واسعة من الخيارات لملاحقة القتلة في سوريا، وذلك ببحث إمكانية تشكيل محكمة في بلد مجاور، وفقاً لمصادر ديبلوماسية مطلعة.

الجرائم في سوريا

يمر مسؤولون في الولايات المتحدة بمرحلة مداولات لمعرفة كيفية تشكيل كيان قانوني يحاكم جرائم الحرب السورية في دولة مجاورة. لكن لم توافق أي حكومة حتى الآن على استضافة هذه المحكمة، كما لم يتم التوصل إلى طريقة لجلب المتهمين السوريين أمام العدالة.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ"فورين بوليسي" عن مصادر أميركية قولها إن "الولايات المتحدة تعمل بالفعل على مناقشات غير رسمية مع الحكومات الأجنبية بشأن خطة للحصول على تفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإنشاء هذه المحكمة، التي ستتألف من قضاة ومحامين ومدعين عامين سوريين وإقليميين ودوليين".

في الاردن أو تركيا

وترجح المصادر أن يكون مقر هذه المحكمة في الأردن أو تركيا، إذ تهدف الخطة الاميركية قيد النظر إلى دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستصدار قرار يدعو الأردن أو تركيا للعمل مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل إنشاء ما يسمى "محكمة مختلطة" تتألف من أعضاء سوريين ودوليين، على أن يتم تمويلها من مساهمات طوعية من الحكومات التي تدعم هذا الجهد.

جمع الأدلة

الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية تبذل أيضاً الكثير من الجهود لجمع الأدلة التي يمكن أن تستخدم لمقاضاة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا في المحاكم الأجنبية، بما في ذلك في الولايات المتحدة، بتهمة ارتكاب جرائم مزعومة ضد الرعايا الأميركيين وغيرهم من الأجانب في سوريا.

سيفرّون

"عندما تبدأ التحولات في الصراع السوري، سيبدأ الجناة بالفرار والاختباء، كما في كل النزاعات السابقة، لكن البعض منهم سوف ينتهي بهم المطاف هنا" تقول بيث فان شاك، وهي باحثة زائرة في مركز ستانفورد للأمن والتعاون الدولي ومحامية بارزة في قسم جرائم الحرب في وزارة الخارجية الاميركية.

وأضافت: "أنا أعلم أن وكالات إنفاذ القانون لدينا على أهبة الاستعداد عندما يبدأ هؤلاء الأفراد بالفرار والسفر خارج سوريا".

من جهته، قال السفير الأميركي المتجول لجرائم الحرب ستيفن رابل لفورين بوليسي إن "الولايات المتحدة ملتزمة بمواصلة جمع الأدلة عن جرائم في سوريا وضمان أن يخضع الجناة في نهاية المطاف للمساءلة".

واشار إلى أنه لا ينبغي النظر الى الفيتو الروسي والصيني باعتباره هزيمة للمساءلة القانونية، مضيفاً: "يجب أن ننظر أبعد من المحكمة الجنائية الدولية نحو آليات مساءلة أخرى لضمان إحقاق العدالة".

وقال مصدر ديبلوماسي غربي: "بصراحة، النقطة الرئيسية من تعويم سلسلة من الخيارات الجديدة لمحاكم جرائم الحرب، تهدف إلى إبقاء هذه المسألة تحت نار هادئة". لكنه شكك في احتمال نجاح أي من البدائل المطروحة حالياً.

إضعاف الجنائية الدولية

سعي الولايات المتحدة لتشكيل محكمة جديدة تسبب ببعض التوتر مع حلفاء واشنطن من الأوروبيين، الذين يشعرون أن إنشاء محكمة جديدة يمكن أن يضعف المحكمة الجنائية الدولية.

"من وجهة نظرنا، تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لهذا النوع من الحالات تحديداً"، قال كريستيان ويناويسر، سفير الأمم المتحدة إلى ليختنشتاين والرئيس السابق لمنظمة الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.

واضاف: "بالطبع ، يمكنك إنشاء مؤسسة منفصلة، لكن نحن لا نرى أن هناك أي جدوى من هكذا خطوة. انه ليس اقتراحاً قد نفضله".

ومع ذلك، اعترف ويناويسر أن احتمالات أن تنجح المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة جرائم الحرب السورية "مسدودة في الوقت الراهن"، ولهذا يعتبر صناع السياسة الأميركيون أن الوقت قد حان للتفكير في بديل جديد.

دمشق سترفضها

من غير المرجح أن تسمح حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بإجراء تحقيق واسع النطاق في جرائم الحرب في سوريا. لكن إذا نجحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في إنشاء هذه المحكمة، فستكون هذه سابقة من نوعها، والمرة الاولى التي يتم فيها تشكيل هذا النوع من المحكمة من دون موافقة الدولة التي ارتكبت فيها الجرائم.

وفقاً لما تقوله بيث فان شاك، فإن تشكيل محكمة من هذا النوع يعني "الدخول في مياه موحلة"، كما أن الصراع السوري أثّر بشدة على تركيا ولبنان والأردن، وهذه الدول قد تكون لديها أسباب لاستدعاء محكمة من هذا الاختصاص بسبب زعزعة الاستقرار الحادة التي أدت إليها موجات اللاجئين عبر حدودها".
&