عرف التاريخ قادة وزعماء تولّوا مقاليد السلطة في سن مبكرة، وبعضهم نودي بهم ملوكاً وحكاماً وهم في مرحلة الطفولة. ويزخر الحاضر بشخصيات قيادية فتية تتولى مناصب رفيعة، تتحدث "إيلاف" عن أبرزها ضمن هذا الملف.

حين تبوأ ماتيو رينزي رئاسة الحكومة الإيطالية كان الأصغر بين أترابه، وهو أتى المنصب هذا مفعمًا بحيوية أنهت عهودًا من الرتابة الحكومية.

خاص إيلاف: حدثٌ في حدّ ذاته أن يولد الإنسان في فلورنسا، مهد عصر النهضة الإيطالية، التي كانت فجرًا لخروج الغرب كله من العصور المظلمة. ففي الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) 1975، رأت عينا ماتيو رينزي النور في عروس منطقة توسكانا، التي كانت عاصمة المملكة الإيطالية بين 1865 و 1870.

شباب يحكمون

&

في المرتفع يتجلى الطريق

يبدو أن السياسة وصلت إلى رئيس وزراء إيطاليا الشاب بالوراثة. فهو ابن نائب من الحزب المسيحيّ الديمقراطي، دخل مدرسة الكشافة المسيحية غضًّا في الخامسة من عمره، وظل عشرين سنة عضوًا في المجتمع الكشفي. وكان لذلك أثر بالغ في حياته. يقول: "تعلمت أن أعظم قيمة هي الأمانة والاستقامة، ثم تذليل العقبات، مثلما يقول الكشافة: في المرتفع يتجلّى الطريق".

رئيس وزراء إيطاليا الشاب&ماتيو رينزي

&

قضى رينزي سنوات الثانوية في فلورنسا، وتخرّج في جامعتها ببكالوريوس في الحقوق سنة1999. مارس الصحافة متطوّعا مدّة وجيزة، وانضم بعدها إلى شركة خدمات تسويق تملكها الأسرة، لها علاقة بالتوزيع والإعلان. عام تخرجه في الجامعة كان عام دخوله القفص الذهبيّ مع أنييز لانديني، المدرّسة التي أسعدته بإنجاب ثلاثة أطفال.

في عام 1996، كان له دور في تأسيس لجان برودي التي دعمت ترشح الاقتصادي رومانو برودي لرئاسة مجلس الوزراء. آنذاك، دخل رينزي الحزب الشعبي الإيطالي.

وللأحزاب ذات الطبيعة الأخّاذة في فلورنسا نصيب من عطايا الجغرافيا. ففي عام 2003، صار رينزي سكرتيرًا إقليميا لحزب "الديمقراطية حريّة: زهرة الربيع". وفي العام 2004، كان الأول في الانتخابات الاقليمية لرابطة وسط اليسار: "الزيتونة". وكان مسقط رأسه في انتظاره عمدة لمدينة فلورنسا 2009.

الشباب في رأس الهرم

لم تكن السنوات حتى 2014 مريحة، بل مفعمة بالتحديات والمصاعب. لكن 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 كان نقلة نوعيّة في حياته السياسية. ترشح لانتخابات الثامن من كانون الأول (ديسمبر) التي كانت ستحدد الشخص الذي سيخلف الأمين العام للحزب الديمقراطي. فاز رينزي بالزعامة، ثم جاءت الفرصة الكبرى. ففي 13 شباط (فبراير) 2014، حصل الشاب الطموح على استقالة رئيس مجلس الوزراء انريكو ليتا في انتخابات داخلية للحزب الديمقراطيّ. وكان على الحزب تشكيل حكومة جديدة فورًا. فكان أصغر رئيس وزراء في تاريخ إيطاليا.

تبدو تجربة رينزي أكبر من سنه وأبعد مدى. فهو لا يستطيع رؤية إيطاليا منفصلة عن أوروبا، ويرى أن أجمل ما في بلده هو التقاليد الأوروبيّة. وفي هذا الإطار يؤمن بالمستقبل، قائلا:"ليست أنجيلا ميركل هي التي تطلب منا الحفاظ على حسن سير حساباتنا العمومية، فهذا واجب علينا أداؤه احترامًا لأطفالنا، وللذين سيأتون بعدنا".

يستمدّ رئيس الوزراء الإيطاليّ الأصغر سنّا برامج حكومته الطموحة من عنفوان الشباب. لكن وراء خططه قيمة زرعتها في ذهنه سنوات الكشافة، وهي التي لخصها في الأمانة والاستقامة، فمن مشاريعه تسديد 60 مليار يورو هي ديون مؤسسات القطاع العام التي عليه الوفاء بها لشركات القطاع الخاص، إضافة إلى مساعدة الطلبة غير القادرين على دفع رسوم دراستهم،أو توفير نفقات البحث عن عمل. بوصول دم جديد إلى قمة السلطة في إيطاليا، ولىّ زمان رتابة برلسكوني وأضرابه.&