إيلاف من اسطنبول : تلاشت الصورة الذهنية التقليدية للزعيم التاريخي للأكراد عبدالله أوجلان، فهو لم يعد على المستوى الشكلي ذلك الرجل صاحب الشارب الأسود العريض والشعر الأشد سواداً، والابتسامة القوية التي تبدو وكأنها تتحدى العالم بأكمله من أجل قضيته.

وعلى المستوى السياسي والأيديولوجي تحول أوجلان إلى عقل أكثر انفتاحاً، وسعياً لفكرة السلام، بل وتقديم بعض التنازلات لكي ينهي سنوات من العداء والدماء مع أنقرة، فها هو وبعد أن بلغ 75 عاماً، يمد أغصان الزيتون لأردوغان.

فقد أعرب زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان عن استعداده للمساهمة في عملية السلام مع أنقرة، معتبرا أن تعزيز الأخوة الكردية التركية هو "مسؤولية تاريخية"، وفق ما نقل عنه الأحد حزب مؤيد للأكراد غداة لقائه في سجنه قرب اسطنبول.

وتم توقيف عبد الله أوجلان في 15 شباط (فبراير) 1999 في نيروبي إثر عملية لقوات الأمن التركية بعدما أمضى سنوات هاربا.

وقد أورد حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" المؤيد للأكراد غداة لقائه مع عبد الله أوجلان الأحد بأن زعيم حزب العمال الكردستاني مستعد للمساهمة في عملية السلام مع تركيا.

وقال الحزب في بيان إن "إعادة تعزيز الأخوة التركية الكردية ليس مسؤولية تاريخية فحسب... لكن أيضا (مسألة) عاجلة لكل الشعوب".

وجاء ذلك غداة قيام اثنين من أعضاء حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" المؤيد للأكراد، بزيارة مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي يمضي عقوبة السجن مدى الحياة.

ويشار إلى أن وزارة العدل التركية كانت قد وافقت الجمعة على طلب تقدّم به حزب المساواة وديمقراطية الشعوب في هذا الشأن. وكانت الزيارة الأولى من نوعها منذ 10 سنوات لأوجلان الموقوف منذ العام 1999.

كما أن هذه الزيارة أتت بعد شهرين من قيام دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية التركية اليميني المتشدد والمعادي لحزب العمال والمنضوي في الائتلاف الحاكم، بدعوة أوجلان للحضور إلى البرلمان لإعلان حل الحزب الذي تصنّفه أنقرة "إرهابيا"، مقابل إطلاق سراحه، هذا، وتلقى الخطوة دعم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

"السلام والديمقراطية والأخوة"
ونقل البيان عن أوجلان قوله "لدي الأهلية والتصميم للقيام بمساهمة إيجابية في المثال الجديد الذي أطلقه السيد بهجلي والسيد إردوغان".

وقال الزعيم الكردي إن الوفد الذي زاره سينقل موقفه إلى الدولة التركية والأطراف السياسيين الآخرين، مضيفا "في ضوء ذلك، أنا مستعد لاتخاذ الخطوات الإيجابية الضرورية".

ومن جهته، اعتبر الرئيس المشارك لحزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" تونجر باكيرهان نداء أوجلان "فرصة تاريخية لبناء مستقبل مشترك"، وذلك في منشور على منصة إكس.

وأكد "نحن على أعتاب تحول ديمقراطي محتمل في تركيا والمنطقة. والآن هو الوقت المناسب للشجاعة والاستبصار من أجل سلام مشرّف".

أما أوجلان فرأى أن الجهود المبذولة "ستأخذ البلاد إلى المستوى الذي تستحقه" وستصبح "دليلا قيما للغاية للتحول الديمقراطي." وأكد قائلا "حان الوقت لتركيا والمنطقة لتنعم بالسلام والديمقراطية والأخوة".

ويذكر أن حزب العمال الكردستاني مصنّف منظمة إرهابية في تركيا وفي الدول الغربية الحليفة لها، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

"المشكلة الكردية"
تم توقيف أوجلان في 15 شباط (فبراير) 1999 في نيروبي إثر عملية لقوات الأمن التركية بعدما أمضى سنوات هاربا. ونقل إلى تركيا حيث جرت محاكمته وصدر حكم بإعدامه.

ورغم عدم تنفيذ الحكم بحقه بعدما ألغت تركيا عقوبة الإعدام عام 2004، أمضى بقية حياته في عزلة داخل زنزانة في سجن جزيرة إمرالي في بحر مرمرة جنوب إسطنبول. والعديد من الأكراد يرونه بطلا.

هذا، وأسس أوجلان (75 عاما) حزب العمال الكردستاني الذي قاد تمردا أودى بعشرات آلاف الأشخاص في ظل سعيه لنيل الاستقلال.

كما انخرط لسنوات حتى العام 2015، في محادثات مع السلطات، عندما دعا أردوغان، وكان آنذاك رئيسا للوزراء، إلى ايجاد حل لما يُطلق عليه غالبا "المشكلة الكردية" في تركيا.

لكن، انهارت عملية السلام والهدنة في العام 2015 ما أدى إلى تجدد العنف، خصوصا في جنوب شرق البلاد حيث تقطن الغالبية الكردية.

وتأتي مبادرة الحكومة التركية حيال أوجلان بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) إثر هجوم غير مسبوق للفصائل المعارضة. فيما تستهدف تركيا بانتظام المقاتلين الأكراد في شمال سوريا والعراق.

ووفق بيان الحزب، اعتبر أوجلان أن التطورات في سوريا أظهرت أن التدخل الخارجي لن يؤدي إلا إلى تعقيد المشكلة، وأن الحل لم يعد من الممكن تأجيله.