مراكش: دعا المشاركون في مؤتمر "المشترك المغاربي"، بمراكش، إلى "بلورة استراتيجية مغاربية لمواجهة التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة في إطار من التنسيق والتعاون"، و"السعي إلى إيجاد حل سياسي توافقي للأزمة الليبية، مع التأكيد على أهمية مقتضيات اتفاقيات الصخيرات في هذا الصدد".

أوصى المشاركون، في ختام أشغالهم، أمس الاحد، بـ"التصدّي للتهديدات الأمنية المختلفة من دون المسّ بمبدأي الحكامة الأمنية ودولة الحق والقانون"، وشددوا على "أهمية التعاون الاقتصادي، كسبيل لتعزيز العلاقات السياسية بين مختلف الدول المغاربية وتذليل المشاكل العالقة بينها"، و"استحضار المشترك التاريخي الموسوم بالتطلعات والآمال العريضة في بناء جسر متين لاتحاد مغاربي وازن"، و"الاستفادة من تجارب التكتل الوازنة على المستوى العالمي، كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الأوروبي، من حيث التركيز على تشبيك المصالح الاقتصادية والتدرج في الأولويات وتجاوز تبعات الصراعات والحروب الماضية والاستجابة لتطلعات الشعوب".

تحديات ومخاطر

لاحظ المشاركون، في هذه الندوة المغاربية، التي نظمتها "منظمة العمل المغاربي"، بشراكة مع "مؤسسة هانس سايدل" الألمانية، على مدى يومين، بمشاركة خبراء وباحثين من المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا والجزائر، أن "المنطقة تمر بمرحلة حبلى بالتحديات والمخاطر تفرض التكتل والتنسيق"، لذلك أكدوا على "أهمية الحوار والتواصل في تدبير الخلافات ورتق اللحمة المغاربية؛ انطلاقاً من إمكانيات المشترك الحضاري وإغناء ما ترسّب من مقالب ومناورات القوى الاستعمارية بعقل سياسي عقلاني ورؤية مستقبلية واثقة". كما شددوا على "أهمية تعزيز الخيار الديمقراطي في المنطقة على مرتكزات مؤسساتية حقيقية تضمن احترام الحقوق والحريات؛ وتوسيع دائرة المشاركة السياسية وتعزيز دور المجتمع المدني في تجاوز حالة الركود التي تطبع أداء الاتحاد المغاربي"؛ وحذروا من "الكلفة الأمنية والاقتصادية والإنسانية التي يفرزها اللاندماج المغاربي".

دبلوماسية موازية

أبرز المشاركون "أهمية المجتمع المدني في تعزيز الدبلوماسية الموازية وتجاوز الخلافات وترسيخ وعي بالمشترك وبكلفة اللاندماج المغاربي"؛ ودعوا إلى "استحضار الأبعاد الاجتماعية والإنسانية لسكان الحدود بين المغرب والجزائر"، مع "العمل على خلق شبكات لمنظمات المجتمع المدني ذات طابع مغاربي؛ وإقامة مراكز للدراسات والبحوث تعنى بالشأن المغاربي". ودعوا، في سعيهم هذا، وسائل الإعلام المغاربية المختلفة إلى "الانخراط في التحسيس بأهمية البناء المغاربي والترويج للمشترك في أبعاده المختلفة؛ وتعزيز التواصل بين الشعوب المغاربية؛ مع التركيز على الشباب المغاربي الذي يجسد المستقبل الواعد في هذا الخصوص"، و"تشجيع الطلبة في دول المنطقة على إنجاز بحوث في سلكي الماستر (الماجستير) والدكتوراه تهم الشأن المغاربي، وإحداث وحدات متخصصة في الدراسات المغاربية بالجامعات"؛ و"تعزيز التعاون العلمي والأكاديمي والتربوي بين دول المنطقة؛ وإعادة صياغة المناهج والبرامج التعليمية بصورة تدعم التعاون والتنسيق والشراكات بين الجامعات ومراكز الأبحاث في هذا الصدد"؛ فضلا عن "تشجيع التبادل الثقافي والرياضي بين دول المنطقة"؛ مع "التأكيد على الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه الجماعات الترابية في تعزيز التعاون المغاربي من خلال اتفاقيات التوأمة والتعاون اللامركزي".

هدر للفرص

قال ادريس الكريني، رئيس منظمة العمل المغاربي، لـ"إيلاف المغرب"، إن "هناك هدراً ملحوظاً للفرص ولمختلف المقومات والعناصر المشتركة الداعمة لبناء تكتل مغاربي وازن؛ بما يكلف المنطقة المزيد من الخسائر والانتظار"، كما انتقد "واقع الخلافات المغاربية التي تذكيها بعض القنوات الإعلامية والمواقف السياسية غير المحسوبة، وهي خلافات كتب لها أن تشوّش، بشكل حقيقي، على مختلف المحطات التاريخية المشرقة والمقومات والمبادرات الداعمة للبناء المغاربي".

سجالات ضيقة

أبرز الكريني أن "ثمّة مجموعة من العوامل المحفزة على تفعيل الاتحاد المغاربي وتعزيز العلاقات بين أعضائه على كافة المستويات"؛ مشيراً في هذا الصدد إلى المقومات البشرية والطبيعية والثقافية والاجتماعية والتاريخية، وإلى ما تواجهه دول المنطقة مجتمعة من تحديات داخلية وخارجية في أبعادها الاقتصادية والأمنية، والتي تتطلب، حسب قوله، اليقظة وتجعل من الاندماج والتكتل ضرورة ملحة.

واعتبر الكريني أن المرحلة الراهنة، بكل إشكالاتها وتحدياتها، "تفرض إبراز المشترك المغاربي"، و"دعم كل المبادرات البناءة الداعمة لهذا التوجه"، و"تجاوز السجالات الضيقة"، مشيراً إلى أنها "مهمة تتقاسمها دول المنطقة"، إضافة إلى "مختلف الفعاليات من أحزاب سياسية وجامعات ومراكز علمية وجمعيات مدنية ونخب مختلفة وإعلام".

مطالب شعبية

يشار إلى أن "منظمة العمل المغاربي"، التي تضم في عضويتها حقوقيين وكتاباً وإعلاميين وأساتذة جامعيين مغاربة، أسست، في مراكش، شهر يونيو (حزيران) 2011. وهي تهدف إلى بناء أسس جديدة للعمل الوحدوي في المنطقة المغاربية، عبر تجنيد جميع الفعاليات واستثمار كل الإمكانات المتاحة، من أجل الدعوة لبناء الاتحاد المغاربي، كتكتل اقتصادي وسياسي وحضاري واعد. وتم التأكيد، في بيان التأسيس، على أن "مؤسّسي هذه المنظمة، وهم يتابعون ما يجري في المنطقة المغاربية من حراك شعبي يعكس التّوق للكرامة والحرية والديمقراطية والوحدة بين الشعوب، يدعون صناع القرار في المنطقة إلى التجاوب مع المطالب الشعبية الرامية إلى تحقيق الوحدة والاندماج وتفعيل مختلف الاتفاقيات المبرمة في هذا الصدد"، مع ضرورة "تجاوز الخطابات والعمل على تحويل الأقوال إلى أفعال، وتدارك ما فات من زمن ضائع، خسرت فيه شعوب المنطقة الكثير من المنافع الاقتصادية والسياسية، بل أكثر من ذلك، فقد دخلت في دوامة من الصراعات الضيقة".