الأزمة التي تمر بها علاقة تركيا بالولايات المتحدة ليست وليدة اللحظة بل عبارة عن أزمات صغيرة متراكمة ومتتالية خلال السنوات القليلة الماضية حتى وصلت إلى الازمة الحالية والتي تعتبر الأسوء في علاقات البلدين.

تتبع تركيا في عهد أروغان منذ فترة سياسات أكثر جرأة على الصعيد الخارجي ولا تأبه كثيرا بموقف واشنطن بل أن الاعلام التركي المقرب من أردوغان حافل بالأخبار والتغطيات التي تتهم واشنطن علنا بالوقوف إلى جانب من تراهم الحكومة التركية اعداءها وعلى رأسهم حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن.

فعلى سبيل المثال في صبيحة يوم الاعلان عن وقف تركيا اصدار التأشيرات للمواطنين الأمريكيين كتبت صحيفة "الصباح" الموالية لأردوغان: "يرى محللون سياسيون أن الخطوة الأمريكية ليست لها علاقة بحادث القبض على موظف القنصلية وإنما محاولة من واشنطن لإضعاف الجهود التركية في محاربة الإرهاب وتعطيل المبادرات التركية والخطوات التي تتخذها لحل الأزمات بالمنطقة"، هذا الموقف هو السائد في الاعلام التركي المقرب من أرد وغان، أي أن الخلاف بين البلدين ليس له علاقة باعتقال الموظف بل بمجمل سياسات تركيا في المنطقة والتي تحاول واشنطن تعطيلها حسب هذا الإعلام.

الخلافات بين الطرفين تشمل العديد من الملفات والقضايا لكن أهم مسألتين عصيتين على الحل وستظلان تلقيان بظلالهما على علاقات البلدين هما تعاون واشنطن مع الاكراد في سوريا وقضية الداعية التركي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن.

المفوضية الأوروبية: أفعال تركيا تجعل انضمامها للاتحاد مستحيلا

"دعم الارهابيين"

أولى الأزمات التي شهدتها علاقات البلدين وما زالت مستمرة برزت بسبب اختلاف مواقف البلدين من الأزمة السورية حيث لكل بلد أولوياته الخاصة وكان من الصعب التوفيق بين أهداف البلدين، فبرزت الخلافات على السطح ولم تعد حبيسة غرف المفاوضات خلف الأبواب المغلقة ولم يتردد أردوغان في توجيه الاتهام لواشنطن بدعم القوى والأطراف التي يراها ارهابية مثل "تنظيم الدولة الاسلامية" وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردية.

وصرح أردوغان أواخر عام 2016 بالقول "إن لديه أدلة على أن قوات التحالف الذي تقوده واشنطن تقدم دعما للجماعات الارهابية خصوصا تنظيم الدولة الإسلامية ووحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا".

منذ نحو عامين بات القضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية" في سوريا محور كل الجهود والمساعي الأمريكية ولجأت واشنطن إلى تقديم السلاح والدعم الجوي والمستشارين العسكريين لقوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الاكراد عمودها الفقري وهذه القوات باتت الشريك الموثوق لدى واشنطن للقضاء على هذا التنظيم في سوريا.

ورفضت واشنطن كل عروض تركيا بمشاركة جيشها في قتال التنظيم شريطة تخلي واشنطن عن المقاتلين الكرد المرتبطين بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. ويكرر أردوغان اتهامه لواشنطن ليل نهار بدعم "وحدات حماية الشعب" الكردية "الإرهابية" حسب وصفه. ولم تأبه واشنطن بصراخ أنقرة واستمرت في التعاون مع الأكراد السوريين في محاربة "الدولة الاسلامية". كما لم تكتف واشنطن بذلك بل نشرت قواتها على الحدود مع تركيا لتفادي احتمال إندلاع مواجهات بين القوات التركية والمقاتلين الكرد بعد تهديدات اردوغان باجتياح المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد في سوريا.

وتم الاعلان مؤخرا عن اقامة فيدرالية شمال البلاد حيث يسيطر المقاتلون الاكراد حاليا على ربع مساحة سوريا وعدد كبير من حقول النفط والغاز وهو ما يثير قلق تركيا ومعارضتها الشديدة. وبعد استفتاء اقليم كردستان العراق على الاستقلال باتت تركيا ترى أن المشروعين الكرديين في سوريا والعراق ويكملان بعضهما وواشنطن ساهمت في تعزيز موقف الاكراد في سوريا على الاقل، من منظور تركيا.

فتح الله غولن
Getty Images
تحالف اردوغان مع فتح الله غولن حتى سنوات قليلة ماضية

"إمام مقابل إمام"

بدأت الأزمة بين الحليفين القديمين اردوغان وفتح الله غولن عام 2013 عندما صدرت مذكرات اعتقال بحق ثلاثة من الوزراء في حكومة أردوغان اضافة الى ابنه بلال بتهمة تلقي رشاوى بملايين الدولارات من رجل الأعمال الايراني الحاصل على الجنسية التركية رضا ضراب والمسجون حاليا في الولايات المتحدة بتهم غسيل الاموال وانتهاك العقوبات الامريكية ضد إيران.

وأغلقت الحكومة التركية القضية وباشرت بحملة واسعة شملت طرد وفصل وسجن كل من له علاقة بالتحقيق في هذه القضية من رجال شرطة وقضاة موظفين وقالت أن هذا الأمر ليس سوى محاولة انقلاب على الحكومة من قبل غولن.

بعد أن ألقت السلطات الأمريكية القبض على ضراب عند دخوله اراضيها في مارس/آذار 2016 جرى اعتقال نائب رئيس بنك حكومي تركي كانت تجري عبره التحويلات المالية لضراب إلى ايران، عند وصوله إلى الولايات المتحدة. وتوسعت التحقيقات الأمريكية لتشمل مسؤولين أتراك سابقين، اذ اتهم القضاء الامريكي مؤخرا أحد الوزراء الذين ظهرت أسماؤهم في فضيحة الرشاوى عام 2013، وزير الاقتصاد السابق ظافر تشاغليان، والمديرالسابق لبنك "خلق" الحكومي واثنين من كبارموظفيه.

أثار الاتهام ردا غاضبا في تركيا إذ وصف أردوغان الاتهام بأنه "خطوة ضد الجمهورية التركية، هناك رائحة سيئة تنبع من هذه الخطوة" .

وتتهم الحكومة التركية غولن بالضلوع في "فضيحة فساد 2013"، ومحاولة الانقلاب أواسط 2016 وطالبت الولايات المتحدة بتسليمه بعد أن صنفت جمعية "الخدمة" التي يتزعمها غولن وجميع المنظمات والهيئات المقربة منه في خانة المنظمات الارهابية.

وتكرر تركيا تأكيدها أنها سلمت واشنطن كل الوثائق التي تؤكد ضلوع غولن بمحاولة الانقلاب وأن على واشنطن السير قدما بتسليمه بأقرب وقت ممكن.

و تعتقل تركيا القس الأمريكي اندرو برونسون منذ أواخر العام الماضي بتهمة الارتباط بغولن والتورط في محاولة الانقلاب وغيرها من التهم. وتحول القس الذي يعيش في تركيا منذ 23 عاما الى ورقة ضغط بيد تركيا ضد واشنطن حيث صرح اردوغان أن مصير برونسون مرتبط بتسليم واشنطن لغولن لتركيا وقال موجها كلامه للحكومة الأمريكية : "لدينا إمام هنا أيضا، أعطونا الذي عندكم وسنعيد لكم إمامكم عبر القنوات القضائية".