خاص إيلاف: المجتمع القائم على السلام والتضامن والتسامح بين الشعوب هو ما تدعو اليه تقليدياً سائر الثقافات. ومفهوم السلام وفكرة التعايش السلمي يتخللان جميع الثقافات. 

أولا

لا يجوز ان تكون علاقة البشر بالكون قائمة على النزاعات أو السعي الى الفتوحات بل يجب ان تُرسى على اساس فكرة السلام والتقارب. وللسلام دور مهم في العلاقة بشعب آخر. وأهم المبادئ في مفهوم السلام هي المساواة والعدالة والأخاء. 

وفي التراث الاسلامي فان السلم والحريات والعدل والسلامة هي من مصادر التشريع الأساسية. وكانت هذه النظرة الى السلام هي الإطار الذي جرت فيه عملية صياغة الدساتير الجديدة في البحرين أو عمان أو المملكة العربية السعودية. 

وبناء على ذلك فان مفاهيم السلام والعدل والأمن والتعاون بوصفها مبادئ هادية أُدرجت في توطئات بعض الدساتير. وفي حين ان البحرين والكويت تتعهدان بالعمل من اجل العدالة والسلام العالمي للبشرية جمعاء فان عمان تقر في دستورها بضرورة تعزيز دورها في إرساء أُسس السلام والأمن والعدالة والتعاون بين الدول والشعوب المختلفة. 

ونصت دساتير دول الخليج على العمل من اجل السلام الى جانب الدفاع عن أمنها وسلامتها وتضامنها والتعاون بينها بوصفها المبادئ الرئيسية لأنظمتها السياسية وسياستها الخارجية. 

وفي الحقيقة ان بعض النظم القانونية الدستورية منعت الحرب الهجومية والاحتلال مثل الكويت ودعت دول أخرى الى التعاون وعلاقات حسن الجوار بين الدول ومبدأ عدم التدخل وحقوق الانسان وعدم انتشار الأسلحة وتقرير المصير والتسوية السلمية للنزاعات الدولية والحفاظ على الاستقلال والسيادة مثل الامارات وعمان. 

وأُدرجت فكرة التعاون هذه التي تنص عليها كل دساتير دول الخليج في النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي الموقع في 26 مايو/ايار 1981 بعد قمة رؤساء دول الخليج الست في ابو ظبي. ويحدد النظام الأساسي اهداف المجلس بأنها: 

اولا تحقيق التعاون والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات وصولا الى وحدتها.
ثانياً تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
ثالثاً وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين، بما في ذلك التعليم والثقافة. 
ورابعاً دفع عجلة التقدم العلمي والتقني وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشـاريع مشتركة. 

وفي عام 2014 وافق المجلس الأعلى على اعلان حقوق الانسان لدول مجلس التعاون الخليجي الصادر في ختام قمته الخامسة والعشرين في الدوحة. وينطلق الاعلان من "ايمانها العميق بكرامة الإنسان واحترامها لحقوقه والتزامها بحمايتها التي كفلتها الشريعة الإسلامية والتي تعتبر تجسيداً للقيم والمبادئ النبيلة الراسخة في ضمير مجتمعاتها، ومن الثوابت الأساسية لسياساتها على كافة الأصعدة والمستويات". ويؤكد الاعلان التزام دول المجلس "بما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، والمواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة". 

وفي ضوء العلاقة الوثيقة بين حقوق الانسان والسلام العالمي على اساس الحرية والعدالة اقرت جامعة الدول العربية في الميثاق العربي لحقوق الانسان بحق كل شخص في العيش في بيئة فكرية وثقافية تصان فيها حقوق الانسان بعيداً عن التمييز العرقي أو الديني أو أي شكل آخر من اشكال التمييز مع تدعيم التعاون الدولي وقضية السلام العالمي. 

 

لقراء النص باللغة الانكليزية
Moving towards a sustainable peace: a reflection on the United Nations’ work

 

ويتضمن كتاب "التقدم نحو سلام مستدام: تأملات في عمل الأمم المتحدة" سلسلة من التقارير التي نشرتها "إيلاف" في السابق حول التحديات والتناقضات والمعضلات والنقاشات والنجاحات الرئيسية التي حققتها الأمم المتحدة. كما تبين هذه التقارير ان العمل من اجل التوصل الى اتفاقات دولية تقوم على الحوار والتعاون بين المجموعات الاقليمية والدول على اختلافها هو الاتجاه المعتمد ليس في العلاقات الدولية فحسب بل في الأمم المتحدة ايضاً. وفي هذا السياق سينقل الكتاب الى المنطقة العربية وبخاصة منطقة الخليج، النقاشات الجارية حالياً في الأمم المتحدة على أساس ان فكرة السلام التي طرحتها المنظمة الدولية منذ تأسيسها تتعدى عدم استخدام العنف أو القوة. 

ويتضمن الكتاب تعريفاً بمنظومة الأمم المتحدة حيث يُدرس حظر الحرب والنزاع في ضوء خبرة عصبة الأمم والأمم المتحدة في هذا المجال خلال السنوات الماضية. كما يتضمن تحليلا لعمل مجلس الأمن والجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي آخذا في الاعتبار ان فكرة السلام ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتعزيز وحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية، بما في ذلك التنمية. 
ويتوزع الكتاب على قسمين:

اولا، منع النزاعات وبناء السلام على اساس مبادئ الأمم المتحدة مثل الحرية والعدالة والمساواة التي ستحلل تحليلا مستفيضاً في ضوء الوثائق المعتمدة. كما تُدرس في الكتاب العلاقة بين السلام والتنمية المستدامة وحقوق الانسان واهمية منع النزاعات لجهود بناء السلام وضرورة الاصلاح التنظيمي في اطار منظومة الأمم المتحدة. ويتناول الكتاب تحديات الطاقة والأسلحة النووية ودور الأمم المتحدة في هذا المجال. 

ثانيا، سيركز الكتاب اهتمامه على بعض النقاشات الجارية في الأمم المتحدة حول السلام وحقوق الانسان وهي الحماية الشاملة لحقوق الانسان والحريات الاساسية بوصفها من متطلبات تدعيم السلام العالمي، والديمقراطية وحكم القانون بوصفهما من مستلزمات السلام والتنمية وضمان حقوق الانسان وحمايتها، والقمة العالمية حول مجتمع المعلومات، وسلامة الصحافيين، وحرية التعبير ومواجهة خطاب الكراهية على الانترنت لمنع تطرف الشباب، والتحديات التي تطرحها قضية المهاجرين واللاجئين في مجال السلام والأمن في العالم، وتدعيم وحماية حقوق السكان الأصليين، ودور التعليم في مواجهة التطرف العنيف، ومواجهة العنف والتطرف العنيف من خلال منظومة الأمم المتحدة، وتدعيم السلام من خلال القضاء على العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وغيرها من اشكال اللاتسامح، ومكافحة الارهاب، والعدالة الاجتماعية بوصفها اساساً للسلام العالمي، ودور المرأة والشباب في بناء السلام، ومنع جريمة إبادة الجنس ومعاقبتها، وأخيرا اعلان الحق في السلام الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً. 

ثانياً

في ضوء "رؤية جديدة للعالم الاسلامي: التضامن في العمل" التي اقرتها منظمة المؤتمر الاسلامي في مكة المكرمة عام 2005 مؤكدة ان الحوار بين الحضارات على اساس الاحترام المتبادل والتفاهم والمساواة شرط لازم لبناء عالم يسوده التسامح والسلام والتعاون والثفة بين الشعوب فان التأملات الحالية في عمل الأمم المتحدة التي يتضمنها الكتاب تتيح التعمق في دراسة فكرة منع النزاعات وحلها وبناء السلام بعد النزاع في اطار نظام الأمن الجماعي الدولي. 

وبوحي من النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي عام 1981 والميثاق العربي لحقوق الانسان عام 2004 واعلان دول مجلس التعاون الخليجي لحقوق الانسان عام 2014، يتضمن الكتاب سلسلة من المواضيع التي تبين ان العمل من اجل التوصل الى اتفاقيات دولية على اساس الحوار والتعاون هو الاتجاه المعتمد ليس في العلاقات الدولية فحسب بل في الأمم المتحدة ايضاً. 

ويخلص الكتاب الى ان منع الحرب والنزاع هو من المبادئ الرئيسية للقانون الدولي في عصبة الأمم والأمم المتحدة على السواء. وينص ميثاق الأمم المتحدة بوضوح على ان التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد الدول أخرى عمل مخالف للقانون. ومنذ عام 1945 لم تعد الحرب طريقة مقبولة لتسوية الخلافات بين الدول. 

يحلل الكتاب عمل مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لا سيما التشديد على العلاقة القوية والاعتماد المتبادل بين السلام والأمن وظروف التنمية الاجتماعية الأوسع. وبالتالي فان السلام والازدهار لا ينفصلان، والسلام والأمن يتطلبان تعاوناً فاعلا من اجل القضاء على الفقر وبناء حياة أفضل. 

كما يستعرض الكتاب الاجراءات الممكنة لمنع الحرب والنزاع في اطار منظومة الأمم المتحدة ومبادئ المنظمة. فاولا، كُرس الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة لتسوية النزاعات وعمل الدول واطراف النزاع على حله بالمفاوضات وتقصي الحقائق والوساطة والمصالحة والتحكيم والتسوية القانونية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يختارها الفرقاء. 

ثانياً، ان المبادئ التأسيسية للأمم المتحدة مثل الحرية والعدالة والمساواة أُدرجت بصيغ واضحة في الوثائق والمواثيق ذات العلاقة. ويضمن التوافق على هذه المبادئ بقاء التعددية الحالية في الأمم المتحدة وفي الوقت نفسه تعزيز الوئام بين المجتمعات المختلفة. 

ثالثاً، ان الأمم المتحدة اعترفت بهذه الأركان الثلاثة على انها عنصر أساسي يهدف الى تعزيز السلام. وتشدد هيئات الأمم المتحدة المختلفة على ان السلام والأمن والتنمية وحقوق الانسان هي دعائم منظومة الأمم المتحدة وأسس الأمن الجماعي والرفاه العام. 

رابعاً، بدأت الجمعية العامة ومجلس الأمن نقاشاً عالمياً في الآونة الأخيرة حول مراجعة عمل الأمم المتحدة في مجال بناء السلام. وأكد الاثنان ان معايير حقوق الانسان العالمية توفر اطاراً جامعاً لمنع النزاعات والاعتراف في الوقت نفسه بأن الممارسة المحدَّدة لحقوق الانسان قد تتفاوت حسب السياقات. 

خامساً، سعت الأمم المتحدة الى نزع السلاح النووي منذ تأسيسها. ونص أول قرار صادر عن الجمعية العامة في 1946 على تشكيل هيئة للتعامل مع القضايا المرتبطة باكتشاف الطاقة الذرية من بين قضايا أخرى. 

يركز الكتاب في قسمه الثاني على بعض النقاشات الجارية في الأمم المتحدة حول السلام وحقوق الانسان وبالتحديد حماية حقوق الانسان والحريات الأساسية دوليا واقليمياً بوصفها من متطلبات تعزيز السلام العالمي، وتدعيم الديمقراطية وحكم القانون بوصفهما من مستلزمات السلام والتنمية على أساس ان لكل دولة حقاً سيادياً في اختيار نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي بحرية. 

ولتحقيق هذه الأهداف ينص ميثاق الأمم المتحدة على ضمان ان تتعلم الأجيال الحالية والأجيال القادمة التعايش السلمي مع التطلع الى إبعاد آفة الحرب عن الأجيال القادمة.

#ترجمة عبدالاله مجيد