تعقد الحكومة اللبنانية اجتماعاً طارئاً الجمعة على مرحلتين مخصصاً لبحث الأوضاع النقدية، بعدما أثار هبوط سعر صرف الليرة غير المسبوق موجة احتجاجات وقطع طرق جديدة في أنحاء البلاد التي تعيش في دوامة انهيار اقتصادي متسارع.

ونزل مئات اللبنانيين إلى الشوارع ليل الخميس الجمعة في طرابلس وعكار شمالاً، وصيدا وصور جنوباً وفي البقاع شرقاً، وفي بيروت. وأحرقوا إطارات ومستوعبات نفايات وقطعوا طرقاً رئيسية وفرعية، وهتفوا ضد الحكومة برئاسة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

ويأتي تدهور سعر صرف الليرة في وقتٍ تعقد السلطات اجتماعات متلاحقة مع صندوق النقد الدولي أملاً بالحصول على دعم مالي يضع حدّاً للأزمة المتمادية، في حين تقترب الليرة من خسارة نحو سبعين في المئة من قيمتها منذ الخريف.

وبدأت الحكومة جلستها الطارئة لمعالجة الأوضاع النقدية برئاسة دياب، وفي حضور سلامة والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.

وأعلنت رئاسة الحكومة ليلاً أن دياب ألغى مواعيده الجمعة لعقد الجلسة في السراي الحكومي، على أن تستكمل عند الساعة الثالثة بعد الظهر (12,00 ت غ) في القصر الجمهوري.

وأفاد صرافون وكالة فرانس برس ظهر الخميس عن ملامسة سعر الصرف عتبة الخمسة آلاف ليرة مقابل الدولار، فيما نقلت وسائل إعلام محلية ليلاً أن السعر تجاوز الستة آلاف. وجاء ذلك رغم تحديد نقابة الصرافين سعر الصرف اليومي بنحو أربعة آلاف، وفيما يبقى السعر الرسمي مثبتا على 1507 ليرات.

وفي بيان ليلاً، أفاد سلامة أنّ المعلومات التي يتمّ تداولها عن سعر الصرف "بعيدة عن الواقع ممّا يضلّل المواطنين".

ويشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع أزمة سيولة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار. وتسبّبت الأزمة بارتفاع معدّل التضخّم وجعلت قرابة نصف السكّان تحت خط الفقر كما خسر عشرات الآلاف جزءاً من رواتبهم أو وظائفهم. وأقفلت مؤسسات وفنادق عريقة أبوابها.

"اللعبة انتهت"

ودفع الانهيار الاقتصادي مئات الآلاف من اللبنانيين للخروج إلى الشارع منذ أكتوبر 2019 ناقمين على الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والمحسوبية. وأسقطت التحركات آنذاك الحكومة برئاسة سعد الحريري. وتشكّلت مطلع العام حكومة جديدة قدّمت على أنها "تكنوقراط"، لكنها حظيت بدعم واضح من حزب الله، القوة السياسية والعسكرية النافذة في البلاد.

وتراجعت وتيرة التحركات بعد إعلان حالة الإقفال العام لمواجهة وباء كوفيد-19 منذ منتصف مارس، لتعود منذ أيام.

وتوقف محللون وصحافيون ومستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي عند مشاركة العديد من الشبان القادمين من مناطق سيطرة حزب الله في بيروت في التحركات الشعبية الليلة الماضية، مطلقين هتافات ضد الطائفية. بينما كان تحرّك لـ"إعادة إطلاق الثورة" السبت الماضي، شهد خروج شبان من المناطق ذاتها ذكرت تقارير أنهم أطلقوا هتافات طائفية ضد السنّة ومناصرة لحزب الله وضد المتظاهرين.

وكتبت الإعلامية ديانا مقلد على حسابها على "تويتر" ليلاً حول هذا الموضوع "ما هي القصة، وما هو الفيلم الذي سيركب على وجع الناس؟".

ووصف غيرها ما حصل بـ"التمثيلية"، في وقت كان متظاهرون يعبرون عن فرحتهم عبر شاشات التلفزة لـ"توحد" اللبنانيين حول المطالب المعيشية. ورفعت شعارات كتب فيها "كلنا جائعون".

ولم تتدخل القوى الأمنية لإجبار المتظاهرين على فتح الطرق كما تفعل إجمالاً.

وعنونت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقرّبة من حزب الله على صفحتها الأولى الجمعة "رياض سلامة اللعبة انتهت" مرفقة بصورة لشاب عار الصدر يحمل إطاراً مطاطياً وخلفه نيران.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية عماد سلامة لوكالة فرانس برس "بعض الأطراف الموجودة في الحركة الاحتجاجية تريد إسقاط حاكم مصرف لبنان وتحميله المسؤولية عن كامل المشكلة المالية".

ويضيف "أعتقد أن حزب الله يسعى إلى تغيير حاكم مصرف لبنان" فيما "أطراف متنوعة أخرى تدفع باتجاه اسقاط الحكومة، وهي القوى والناس والمجتمع المدني الذي أسقط حكومة الحريري".

وعنونت صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقرّبة من حزب الله على صفحتها الأولى الجمعة "رياض سلامة اللعبة انتهت" مرفقة بصورة لشاب عار الصدر يحمل إطاراً مطاطياً وخلفه نيران.

دعم خارجي

وتعدّ المصارف من أبرز الجهات المعارضة للخطة الاقتصادية التي أقرتها الحكومة وطلبت على أساسها مساعدة صندوق النقد.

ومنذ تشكيلها، تبدو الحكومة عاجزة عن احتواء الأزمة والحدّ من انعكاساتها الاجتماعية والمعيشية. ويتهمها متظاهرون وناشطون وقوى معارضة بمواصلة اتباع سياسة المحسوبيات في القرارات والتعيينات بخلاف ما تعهّدت به.

وسبق للحكومة الحالية أن اشتبكت خلال شهر أبريل مع سلامة. وحمّله دياب حينها مسؤولية وصول سعر الصرف إلى أربعة آلاف مقابل الدولار.

وردّ سلامة بالتأكيد على أن "البنك المركزي موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال".

وكان ينظر الى سلامة طيلة عقود على أنه عراب استقرار الليرة في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990)، لكن قوى سياسية عدة تعتبره "عراب" سياسة الاستدانة التي قامت بها الحكومات المتعاقبة.

ويتواصل الجمعة قطع طرق رئيسية في مناطق عدة، وتعمل القوى الأمنية على فتحها. ويحتج المتظاهرون أيضا على الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الاستهلاكية وخسارة قدرتهم الشرائية.

وتأمل الحكومة الحصول من صندوق النقد على أكثر من 20 مليار دولار كدعم خارجي، بينها 11 مليار أقرّها مؤتمر سيدر في باريس عام 2018 مشترطاً إجراء إصلاحات لم تبصر النور.