الرباط: أفاد رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، الثلاثاء، بأن المرحلة الثانية من تخفيف الحجر الصحي ستعرف توسيعا للتدابير لتشمل الترخيص بأنشطة اقتصادية واجتماعية وثقافية إضافية.

وقال العثماني، في معرض رده على سؤال محوري بمجلس المستشارين ( الغرفة الثانية بالبرلمان)، إن "هذه المرحلة الثانية ستتسع فيها تدابير التخفيف، سواء بعمالات ( محافظات ) وأقاليم المنطقة رقم 1 أو المنطقة رقم 2، لتشمل الترخيص بأنشطة اقتصادية واجتماعية وثقافية إضافية، ولتسمح بحركية أيسر وأوسع، وقد تمكن من الإطلاق التدريجي للسياحة الداخلية".

واشار العثماني الى أنه "سيعلن عن بدء هذه المرحلة الثانية بعد التقييم الأولي، الذي سيتم في غضون يومين، وسنرى نتيجته ونقرر بعده ماذا سيكون بناء على نتائج التقييم".

وأضاف أنه ستأتي بعد ذلك " مرحلة متقدمة ستعرف، بحسب تطور الوضعية العامة، مزيدا من التخفيف على عدة مستويات، بما في ذلك توسيع الترخيص في استغلال الفضاءات العمومية، والتجمعات في حدود معينة، والأنشطة العامة وفق ضوابط، لافتا إلى أن هذه المرحلة ستعرف، وبحسب تطور الوضعية على المستوى الدولي، البدء في إجراءات تروم استئناف حركة التنقل الدولية والسياحة الخارجية".

وذكر العثماني بأنه تم الإعلان يوم 10 يونيو الجاري عن آلية الانتقال التدريجي من مرحلة إلى أخرى، من خلال تتبع مستمر وتقييم أسبوعي، مبرزا أنه "منذ ذلك الحين، لم يخل يوم تقريبا من إجراءات وتدابير جديدة، تعلن عنها القطاعات الحكومية، تسير كلها في اتجاه تنزيل إجراءات التخفيف، والاستعداد لمزيد منها ".

وأشار إلى أن الحكومة قررت الأسبوع الماضي الشروع في تخفيف تدابير الحجر الصحي، مع تمديد حالة الطوارئ الصحية، وذلك استجابة لانتظارات المواطنين، وانسجاما مع ما عبرت عنه مختلف الفعاليات الوطنية بمناسبة المبادرة التشاورية التي أطلقتها الحكومة، وكذا أخذا بعين الاعتبار المعطيات الوبائية، والترجيح بين مخاطر الإبقاء على نفس تدابير الحجر الصحي، والمخاطر المحتملة عند تخفيفها.

وقال إن تمديد حالة الطوارئ أملته عوامل عدة، لعل من أبرزها استمرار الحاجة إلى إطار قانوني يسمح بالتدخل العاجل لمعالجة الآثار السلبية لهذا الوباء، واستمرار وجود الفيروس ببلادنا، وظهور بؤر وبائية بين الفينة والأخرى.

وذكر العثماني بأن تخفيف الحجر الصحي بدء وفق المنهجية المعتمدة، ويجد مبرراته أولا في كون أغلب أهداف الحجر الصحي قد تحققت، سواء في ما يتعلق بالتحكم في الوضعية الوبائية، أو الحد من انتشار الفيروس، أو التقليل من حدته، أو تفادي عجز المنظومة الصحية عن مسايرة الوضعية الوبائية، بالإضافة إلى التقدم في توفير الشروط التي تم الالتزام بالعمل على تحقيقها، والمتمثلة في تقوية المنظومة الصحية، ورفع القدرة على إجراء التحاليل المخبرية، وتقوية القدرة على تتبع الحالات،وكذا التوفر على دلائل استئناف الأنشطة المهنية والاقتصادية، وثانيا في ضرورة العمل على استئناف الدورة الاقتصادية التي تأثرت بشكل كبير بفعل الجائحة، واستعادة المواطنين لحياتهم الاجتماعية الطبيعية.

وتقوم المنهجية المعتمدة، حسب رئيس الحكومة، أساسا على التدرج في تنزيل إجراءات تخفيف الحجر الصحي، والتقدم بعد ذلك عبر مراحل متتالية، بناء على تتبع وتقييم مستمرين، وعلى مراعاة البعد الترابي باعتماد صنفين من الأقاليم والعمالات، وفق معايير واضحة، ومع وجوب الإبقاء على الإجراءات الاحترازية الجماعية والفردية، والتحلي بالحيطة والحذر في جميع الحالات، " من أجل الخروج في الأسابيع المقبلة بشكل آمن تدريجيا ".

وسجل العثماني أنه إذا كانت التدابير الاحترازية التي اتخذتها المملكة المغربية قد مكنت من محاصرة الوباء والحفاظ على أرواح المواطنين، فإن من شأنها أن تساهم أيضا في تعزيز الأمن الصحي، الذي أصبح شرطا أساسيا لاسترجاع الثقة في الاقتصاد والمقاولة وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد.

وخلص العثماني إلى أن هذه التجربة، وفق هذه المنهجية، تعتبر تجربة مغربية خالصة، "لم نستنسخ من أحد ولا من أي جهة"، مؤكدا بهذه المناسبة على الثقة في المؤسسات الوطنية والخبراء المغاربة.

على صعيد ذي صلة ، كشف العثماني أن رئاسة الحكومة توصلت بـ23 مذكرة غنية بالتقييمات والمقترحات من 27 هيئة، وذلك في إطار بلورة حوار وطني حول المرحلة الحالية والمستقبلية. وقال العثماني إن اللقاءات التي عقدها رفقة عدد من الوزراء مع الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية ( الاتحادات العمالية ) ، والغرف المهنية وعدد من الجمعيات المهنية، شكلت محطة مهمة في إطار بلورة حوار وطني حول المرحلة الحالية والمستقبلية، مشيرا إلى أن رئاسة الحكومة توصلت بـ23 مذكرة لـ27 هيئة غنية بالتقييمات والمقترحات.

وأضاف "نحن بصدد دراستها في رئاسة الحكومة، وبصدد إرسالها إلى مختلف القطاعات الحكومية المعنية لأخذ مقتضياتها بعين الاعتبار في وضع خطة إنعاش الاقتصاد الوطني وإعداد مشروع قانون مالية تعديلي برسم 2020".

وبعد أن عبر عن شكره لجميع الهيئات المعنية على تفاعلها وعلى الجهد الذي بذلته بحس وطني للإسهام في هذا الورش باقتراحات وآراء، قال العثماني " سندبر المرحلة المقبلة بنفس المنهجية التشاركية والإنصات".

من جهة أخرى، ذكر العثماني بأن الرهان الأساسي للمغرب للفترة المقبلة يتمثل في إعادة تحريك عجلة الاقتصاد، واستئناف الأنشطة الاقتصادية والتجارية والخدماتية، مما يستلزم تظافر جهود كافة المتدخلين، مشيرا إلى أن رؤية الحكومة لتحريك وتطوير الاقتصاد الوطني ترتكز على رافعتين أساسيتين، هما خطة للإنعاش الاقتصادي إلى متم سنة 2021 ، بهدف إعادة النشاط الاقتصادي إلى مستواه ما قبل الأزمة، وخطة للإقلاع الاقتصادي على المدى المتوسط، تتم بلورتها في انسجام مع ورش تجديد النموذج التنموي، مع ترتيب الأولويات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والاستفادة من فرص التحول الجديدة التي أفرزتها هذه الأزمة.

وسجل العثماني أن الظرفية الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها البلاد جراء تداعيات جائحة كورونا ألحقت أضرارا بالعديد من القطاعات الحيوية، على إثر فرض حالة الطوارئ الصحية، وهو ما سينعكس سلبا على مجموعة من المؤشرات الماكرو-اقتصادية، بما فيها معدل البطالة، وغيرها، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يترتب عن كل التداعيات انكماش مقدر للناتج الداخلي الخام هذه السنة، وقد يمتد إلى سنة 2021.

واستعرض رئيس الحكومة التدابير الاستعجالية للتخفيف من وطأة الجائحة على الاقتصاد ونشاط المقاولات، مبرزا أن تدخل الدولة مكن من تخفيف التداعيات الاقتصادية للأزمة بشكل كبير، وتجلى ذلك في العديد من المعطيات والمؤشرات، أهمها استقرار مداخيل الضريبة على القيمة المضافة، والتحكم في مستوى التضخم الذي لم تتعد نسبته 0,9 بالمائة ما بين أبريل 2019 وأبريل 2020، وارتفاع نفقات الاستثمار العمومي من الميزانية العامة في الفترة ما بين نهاية مايو 2019 ونهاية مايو 2020 بنسبة 10.1 بالمائة ، والرفع من وتيرة إرجاع الضريبة على القيمة المضافة، في عز التوقف والأزمة، حيث بلغ حجم إرجاع الضريبة على القيمة المضافة ما مجموعه 5 مليارات و167 مليون درهم في متم مايو 2020، مقابل 5 ملايير و125 مليون درهم إلى متم مايو 2019.

وبعد أن توقف عند المجهود الذي تم في إطار أوراش الأشغال العمومية، شدد رئيس الحكومة انه في إطار مواكبة مرحلة استئناف الحركة الاقتصادية، عكفت الحكومة، وفق مقاربة أشركت كافة المتدخلين، على إعداد "خطة إنعاش الاقتصاد الوطني" تمتد إلى متم سنة 2021، ستشكل مرجعا مشتركا لجهود مختلف الفاعلين الاقتصاديين، الرامية إلى الاستعادة التدريجية للنشاط الاقتصاد الوطني.

وأشار العثماني إلى أن مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 يشكل مرتكزا لتفعيل هذه الخطة والشروع في تنزيلها، أخذا بعين الاعتبار المتغيرات المرتبطة بالظرفية الاقتصادية الوطنية والدولية الناتجة عن هذه الأزمة، وذلك من خلال تدابير أساسية منها اتخاذ إجراءات استعجالية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ودعم استئناف الأنشطة الاقتصادية، ووضع نظام تحفيزي انتقالي يأخذ بعين الاعتبار إكراهات الملزمين لمواجهة هذه الأزمة؛ وتعزيز ميزانيات القطاعات ذات الأولوية بما في ذلك قطاعي الصحة والتعليم، وإعادة ترتيب اعتمادات التسيير والتجهيز حسب أولويات المرحلة؛ ومراجعة نسبة العجز المتوقعة حسب الفرضيات الجديدة.

وبخصوص استشراف آفاق الإقلاع الاقتصادي، قال رئيس الحكومة إنه على المدى المتوسط، سيتم إعداد "ميثاق للإقلاع الاقتصادي والتشغيل"، وذلك تعبيرا عن طموح مشترك تتقاسمه جميع الأطراف المعنية (الدولة والشركاء الاقتصاديون والاجتماعيون)، وفق التزامات واضحة، تنبني على آليات للتتبع والتقييم، بما يمكن من بناء اقتصاد قوي، في عالم ما بعد أزمة كورونا.

من جهة أخرى، وبخصوص موضوع المغاربة العالقين بالخارج، كشف رئيس الحكومة، في معرض رده على أسئلة المستشارين، أن رحلات إعادة المغاربة العالقين بتركيا بدأت اليوم بمعدل 3 رحلات يوميا.

وأشار إلى أن "عدد المغاربة الذين تكفلت بهم القنصليات والسفارات بلغ أزيد من 7000 شخص"، مضيفا أنه "دخل لحد الساعة 1400 مغربي من الذين كانوا عالقين، وذلك بمعدل 200 شخص في اليوم".