يبدو أن قرار رجب طيب أردوغان تحويل آيا صوفيا إلى مسجد ليس مقبولًا بأي شكل من الأشكال في المنطقة العربية، إلا عند قلة قليلة تقول إن ذلك شأن تركي، ولنهتم نحن بأمورنا الخاصة.

إيلاف من دبي: منذ توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرسوم تحويل متحف آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد، دخل العالم في دورة من الجدال بشأن القبول بهذا الأمر أو رفضه.

سألت "إيلاف" القارئ العربي إن كان يرى أن تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد مقبول أو مرفوض. شارك في الاستفتاء 1780 قارئًا، وجد 609 منهم أن ذلك مقبول، بنسبة 34 في المئة، فيما وجد 1170 منهم ذلك مرفوضًا، بنسبة 66 في المئة.

رفض أوروبي
كان مجلس الدولة التركي قد أصدر قرارًا سابقًا يُبطل فيه اعتبار آيا صوفيا متحفًا، وذلك بناء على طلبات تقدمت بها منظمات عدة بإبطال قرار حكومي صدر في عام 1934 ويعطي أيا صوفيا وضع المتحف. فآيا صوفيا كانت مسجّلة كمسجد في سندات الملكية التي تحمل اسم مؤسسة محمد الفاتح، وهو السلطان العثماني الذي كان قد ضم القسطنطينية إلى الدولة العثمانية في القرن الخامس عشر.

ثار قرار أردوغان ردلا فعل دولية رافضة. وكانت ردة الفعل الأقوى يونانية. ندد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بأشد العبارات بالقرار التركي. كما وصف الاتحاد الأوروبي القرار بأنه "مؤسف"، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان: "فرنسا تأسف لقرار السلطات التركية، فهذا القرار يشكّك في أحد أكثر الإجراءات رمزية لتركيا العصرية والعلمانية",

وحذرت المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) من أن لجنة التراث العالمي ستراجع موقف آيا صوفيا بعد إعلان الرئيس التركي لقراره.
أتى الرد التركي من أردوغان نفسه؛ إذ رأى أن المسألة برمتها تدهل ضمن حقوق تركيا السيادية. وقال السبت 11 يوليو: "الذين لا يحركون ساكنًا في بلدانهم حيال معاداة الإسلام ينتقدون رغبة تركيا في استخدام حقوقها السيادية. لم نتخذ هذا القرار استنادًا إلى ما سيقوله الآخرون بل استنادًا على حقوقنا، كما فعلنا في سورية وليبيا وأي بلد آخر".

انقسام عربي
عربيًا، كان الانقسام واضحًا بين من يؤيد قرار أردوغان تحويل آيا صوفيا إلى مسجد من منطلق أن تركيا حرة بممتلكاتها، ومن يعارضها من منطلق أن هذا القرار يبعد تركيا عن علمانيتها ويعيدها ستة قرون إلى الماضي، مؤلبًا مسيحيي العالم عليها.

وطغت الصبغة السياسية بشكل واضح على هذا الإنقسام، خصوصًا أن تركيا تسعى بشكل حثيث إلى تثبيت نقوذها المتزايد في المنطقة العربية، من خلال تدخلها في سورية والعراق وأخيرًا ليبيا. وثمة مراقبون يردون ميل الميزان في التصويت على استفتاء "إيلاف" لصالح رفض القرار التركي إلى الشعور الغامر الذي يجتاج دولًا عربية عدة بمعاداة التدخل التركي السافر في شؤونها الداخلية، بصرف النظر عن رأيهم الحقيقي في أحقية القرار بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد.

وانضم إلى "الموافقين العرب"، برأي المراقبين، من يرفضون استخدام قضية آيا صوفيا التركية لخوض معارك وهمية، "لا شأن لنا بها، ففي لبنان مثلًا، يقول كثيرون أن الأولى بالمواطنين اليوم الاهتمام بحل مشكلاتهم القُطرية، وهي كثيرة في لبنان وفي مقدمها العتمة التي يعيش فيها اللبنانيون بسبب عجرز الحكومة اللبنانية عن توفير الطاقة للناس، والاهتمام بقضايا اقتصادية واجتماعية لها الأولوية في ظل كورونا، مع الارتفاع الحاد في معدلات الفقر والبطالة"، وفقًا لما يصرح به لبنانيون.

هل هو ثأر؟
ثمة آراء عربية لا بد من التطرق إليها في هذا الموضوع، منها رأيان نعرض لهما هنا، أولهما للكاتب الصحافي جاد الزين، في جريدة "النهار" اللبنانية. يقول: "تصف جان موريس في كتابها ’أمبراطورية البندقية: رحلة بحرية‘ عنف ووحشية نهب وإحراق القسطنطينية على يد الأوروبيين الكاثوليك الآتين من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها والذين كانوا تجمّعوا في البندقيّة المموِّلة للحملة. (...) كان عنف لا يوصف حطّم كل معالم المدينة الأمبراطورية الأرثوذكسية وأحرقها ودخل على كنيسة آيا صوفيا وعبث فيها. فعل داندولو ذلك رغم أنه كان قد أصبح أعمى مع تقدم السن. تقول جون موريس إنها عندما لاحظت أمام أحد الباحثين في التاريخ البيزنطي أنه من النادر أن يزوره أحدٌ هذه الأيام فأجابها: ’لو كنت سأزوره فلكي أبصق على قبره‘. وتكتب جون موريس أن اليونانيين (البيزنطيّين) لم يغفروا قط للبندقيين إحراق القسطنطينية ونظروا إليهم دائمًا أنهم مسبّبو هذه المأساة. البندقيون أنفسهم فكّروا وأخذوا في الاعتبار تغيير عاصمتهم وجعلها القسطنطينية - مدينتنا الحقيقية- كما تصفها وثيقة بندقية رسمية. لكنهم خسروا حصتهم في السيادة عليها، كذلك بطريركيتهم عندما عاد الملوك اليونانيون واستلموا السلطة في القسطنطينيّة في عام 1261".

بحسبه، ثمة وجهة نظر يتبناها مؤرخون مسيحيون وغربيون عديدون: سقوط القسطنطينية الأول على يد حملة الدوق داندولو هي التي جعلت عاصمة الأمبراطورية ضعيفة إلى غير رجعة لقوتها السابقة. وهذا ما سمح للحملة العثمانية المسلمة بإسقاطها نهائيًا بعد 250 عامًا شهدت أمبراطورية جمهورية البندقية خلالها ذروةَ قوتها وازدهارها وهي التي كانت تحتل كل الجزر الممتدة بين البندقية والشاطئ السوري وخصوصًا الجزر اليونانية من كورفو مرورًا بجزيرة كريت إلى جزيرة قبرص. تلك الأمبراطورية التي ستزدهر في التجارة وستسيطر على البحر الأبيض المتوسط قروناً عدّة قبل أن يتمكّن العثمانيون من السيطرة على معظم جزره و شواطئه حتى القرن الثامن عشر.

يختم الزين: "لن يهدأ الجرح التاريخي العميق الذي تمثله آيا صوفيا والذي يعيد تحريكه قرار الرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان بإعادة تحويلها إلى مسجد، في زمن الأصوليات. إنه الجرح الجاهز للنزف كيفما قلّبته في مدينة مئات المساجد وبعضها من أفخم وأعرق مساجد العالم المسلم".

ليس عملًا رشيدًا
الرأي الثاني يبديه الكاتب والأكاديمي اللبناني أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية رضوان السيد في جريدة "الشرق الأوسط"؛ إذ يرى أنه يمكن أن يكون بعض الناس قد سُرُّوا بالإجراء الإردوغاني، "بدليل أنني شهدتُ بعض المشايخ عندنا في لبنان مسرورين مهلِّلين! أما الذي أعرفه يقينًا أنّ هذا العمل بوصفه من أعمال السياسة، ليس في مصلحة الإسلام والمسلمين. وهو الذي قاله الأزهر وعلماء المملكة العربية السعودية. إن منظر ديننا ليس في أحسن حالاته، وما نشره جهلة ومجرمون من عنفٍ باسم الإسلام في سائر أنحاء العالم، ومن ذلك هدم كنائس والتعرض للكرامات والأعراض والحريات، في سورية والعراق، ترك انطباعاتٍ شديدة السوء لا يمكن تجاوُزُها أو نسيانها على مدى جيلٍ أو جيلين".

يسأل السيد: "أين هو رأس المال الرمزي في تصرف إردوغان؟ هل التشبه بمحمد الفاتح أو سليمان العظيم هو الذي يُكسبه تأييد الشعب وتقديسه، وهو لم ينجح إلاّ لأنه نشر التنمية الاقتصادية وتأمّل الناس معه بحلّ المشكلة مع الأكراد؛ بينما هو الآن يشهد انخفاض التنمية وانخفاض الليرة، والاعتماد لاستعادة التوازن على فلوس الآخرين المنكوبين؟! من صفر مشكلات إلى عشرات المشكلات والحروب، والتراكض بين أميركا وروسيا، أيها الفاتح العظيم!"

يختم السيد: "إنّ تصرف الرئيس إردوغان في مسألة آيا صوفيا مضرٌّ بتركيا العلمانية وتركيا المسلمة، ومضرٌّ بالإسلام، وليس عملًا من أعمال السياسة الرشيدة والمتبصرة".