أعلن البابا فرنسيس تعديلات في قانون الكنيسة الكاثوليكية، تجرّم الاعتداءات الجنسية بشكل صريح. ويعدّ هذا أكبر اصلاح يطال القانون الجنائي الكنسي منذ ما يقرب 40 عاماً.

وأورد الموقع الرسمي للفاتيكان أن البابا أصدر دستوراً رسولياً جديداً "يصلح الكتاب السادس من القانون الكنسي حول موضوع العقوبات الجنائية، وسيدخل حيّز التنفيذ بدءاً من 8 ديسمبر المقبل". وقال البابا إن أحد أهداف التعديل هو "خفض عدد القضايا التي يترك فيها تحديد العقوبة لتقدير السلطات".

استغرق هذا تطوير هذه الإصلاحات نحو 11 عاماً، وتضمنت توصيات من خبراء في القانون الكنسي والقانون الجنائي.

وكانت آلاف التقارير حول اعتداءات جنسية ارتكبها كهنة قد هزت الكنيسة الكاثوليكية حول العالم، في السنوات الأخيرة، خصوصاً مع الكشف عن تستّر كبار رجال الدين عن تلك الجرائم.

ولعقود طويلة، اشتكى ضحايا تلك الاعتداءات ومنتقدو الكنيسة من أن القوانين المرعية قد عفا عليها الزمن، ومصممة لحماية الجناة ومفتوحة للتأويل.

يحلّ القانون الجديد محل الإصلاحات الأخيرة في هذا الشأن التي أجراها البابا يوحنا بولس الثاني عام 1983، وصمم بشكل تكون اللغة فيه أكثر وضوحاً وتحديداً، وليفرض على الأساقفة اتخاذ إجراءات عند تلقيهم شكاوى.

ما هي أبرز التعديلات؟

يقرّ القانون الجديد بأن البالغين والأطفال يمكن أن يقعوا على حد سواء ضحية لكهنة يسيئون استخدام سلطتهم. في السابق، كانت الكنيسة تعتقد أن البالغين يمكنهم منح الموافقة أو سحبها، بسبب سنهم، من دون الأخذ بعين الاعتبار أنهم يمكن أن يكونوا ضحايا أيضاً، خصوصاً إن كان هناك خلل في توازن القوى.

وينص التعديل على أنه يمكن للكاهن أن يفقد منصبه ان استخدم "القوة، أو التهديد، أو السلطة"، للانخراط في أفعال جنسية.

كذلك تشمل العقوبات الجديدة العاملين في الكنيسة من العلمانيين (أي لا يحملون صفة دينية)، كالإداريين على سبيل المثال، وقد تتضمن فقدان الوظيفة، والغرامة، أو الطرد من المجتمعات الكنسية.

تجرم الإصلاحات الجديدة "استمالة" القصّر أو البالغين الضعفاء، للضغط عليهم بغية المشاركة في مواد اباحية. وهذه هي المرة الأولى التي تعترف فيها الكنيسة رسمياً باستخدام الاستمالة كوسيلة من قبل المتحرشين جنسياً، لاستغلال الضحايا وإساءة معاملتهم.

كما أزال القانون السلطة التقديرية التي كانت تسمح لمسؤولي الكنيسة رفيعي المستوى بتجاهل الشكاوى حول الانتهاكات لحماية الكهنة والتستر عليهم. وبات بالإمكان توجيه تهمة الإهمال لأي شخص لا يحقق بشكل صحيح ولا يعاقب المتحرشين.

وقال المونسنيور فيليبو إيانوني، المشرف على دائرة الفاتيكان التي أنجزت التعديلات، إن "مناخاً من التراخي المفرط في تفسير قانون العقوبات" كان سائداً، وسمح بتقديم الرحمة على العدالة أحياناً.

إلى جانب تشديد العقوبات في الاعتداءات الجنسية، تحظر التعديلات الجديدة سيامة النساء في رتب الكهنوت، وتسجيل الاعترافات، والاحتيال.

الوصية السادسة

ترد الإصلاحات تحت عنوان جديد هو "الجرائم ضد حياة الإنسان والكرامة والحرية" الذي يحلّ مكان صياغة "الجرائم ضد الالتزامات الخاصة" التي يشوبها الغموض.

لا تشير التعديلات بشكل صريح إلى الجرائم الجنسية ضد قاصرين، بل تضعها في خانة انتهاك الوصية السادسة في المسيحية، التي تحظر الزنا.

ولطالما طالب المعنيون بالقضية الكنيسة بإزالة الإشارة إلى الوصية السادسة، وتعريف الإساءة على أنها جريمة ضد الأطفال وليس انتهاكاً لنذور الكاهن بالعزوبية.

وجاء في تقرير حول الانتهاكات الجنسية، صدر عام 2020 بدعم من الحكومة البريطانية، أن "وصف الاعتداء الجنسي على أطفال ضمن خانة الزنا خطأ، لأن يقلل من الطبيعة الاجرامية للإساءة اللاحقة بالأطفال الضحايا. يجب تحديد الاعتداء الجنسي على الأطفال بأنه جريمة ضد طفل".

عمل البابا فرنسيس على معالجة ملف تهم الاعتداءات الجنسية التي طالت كهنة كاثوليك منذ توليه منصبه عام 2013. وقاد قمة تاريخية حول الاعتداءات الجنسية المرتكبة من قبل الإكليروس عام 2019، وألغى قاعدة "السرية البابوية" المثيرة للجدل، لزيادة الشفافية.

سبق للكنيسة أن تسترت على قضايا اعتداء جنسي، في محاولة "لحماية خصوصية الضحايا وسمعة المتهمين"، بحسب توصيفها. في حين قال منتقدون لتلك السياسة بأن بعض المسؤولين الكنسيين أساءوا استخدام تلك القاعدة لتجنب التعاون مع الشرطة في التحقيق بقضايا الانتهاكات.