إسترا (روسيا): كلّهم أتوا لإضاءة شموع من أجل السلام، لكن المشاركين في قدّاس الأحد في دير "القدس الجديدة" في إسترا قرب موسكو منقسمين بشأن مبررات الهجوم الذي أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشنه على أوكرانيا.

في يوم الأحد المشمس والبارد ، تتلألأ أضواء الكاتدرائية ذات السقف الفيروزي، لكن وجوه المصلين متجهّمة.

كلّهم قلقون إزاء الحرب الدائرة منذ أربعة أيام في أراضي جيرانهم وأشقائهم الأرثوذكس في أوكرانيا.

ويقول ألكسندر بيفوفاروف (51عاما) وهو مسؤول في شركة في موسكو "كل تفكيرنا منصب على هذا الأمر! ونصلي من أجل عدم سقوط ضحايا".

ويضيف رفقة ولديه البالغين 12 و14 عاما "ماذا يمكنني أن أقول لهما؟ لا يسعنا إلا التوكّل على الله".

في المقابل، يبدي المبشّر أندري زايتسيف البالغ 38 عاما استغرابه غزو روسيا أوكرانيا، في موقف يناقض موقف بطريرك الأرثوذكس الروس كيريل الذي وصف في عظة الأحد في كاتدرائية "المسيح المخلّص" في موسكو الخصوم الأوكرانيين لروسيا بأنهم "قوى الشر".

وبعد القداس قال زايتسيف "أنا ببساطة خائب الأمل من جراء إقدام شخص ذكي مثل (بوتين) عادة ما كنت أثق به، على شن هذه الحرب".

وتابع "أعرف أشخاصا في الكرملين، هناك مؤمنون، يؤكد أشخاص نافذون هناك أنه لم يكن هناك من خيار"، متسائلا "ربما من دون حرب سيكون الوضع أسوأ؟".

وتبدو إينا فيليبوفا وهي مدرّسة لغة إنكليزية تبلغ 49 عاما جاءت رفقة ابنها المراهق، تحت الصدمة لأنها كانت تعتقد أن الجيش الروسي سيكتفي بـ"إحلال السلام" في المنطقتين الانفصاليتين المواليتين لروسيا اللتين تخوضان منذ ثماني سنوات نزاعا مسلّحا مع قوات كييف في شرق أوكرانيا.

وهي تبدي خشيتها إزاء تداعيات العقوبات الغربية من "حظر السفر" و"تدهور مستوى المعيشة" و"الاستحصال على أدوية مستوردة".

لكن بالنسبة إلى العسكري السابق ديمتري سبيريدونف الذي شارك في حرب الشيشان، لا شك في أن موسكو تمارس حقّها مشيرا إلى الحرب الدائرة منذ العام 2014 بين انفصاليين وقوات أوكرانية في منطقتي دونيتسك ولوغانسك والتي يصفها بوتين بأنها "إبادة جماعية".

ويقول سبيريدونوف وهو رقيب أول سابق "يجب التخلّص من هؤلاء القوميين (الأوكرانيين) وتسوية كل الأمور"، مؤكدا في استعادة للموقف الرسمي أن الجيش الروسي "يتحرّك بحذر تجنّبا لسقوط ضحايا".

ويضيف "لم نذهب إلى أوكرانيا للقتال بل من أجل وضع حد لحرب".

ومن بين المشاركين في القداس أوكرانيتان ممن هاجرن إلى روسيا للعمل، الأولى من الغرب الناطق بالأوكرانية والثانية من الشرق الناطق بالروسية. إنهما صديقتان لكنّهما لا تؤيدان المعسكر نفسه.

وتواجه تاتيانا بيغوني البالغة 54 عاما صعوبات في تمالك نفسها وتتساءل "لماذا تُنشر الدبابات؟ ابنتي تنام في كهف برده جليدي مع رضيع يبلغ عشرة أشهر".

لكن صديقتها أنا بريخودكو المتحدّرة من دونيتسك تقاطعها بالتساؤل "لماذا لم يأتوا في وقت أبكر؟"، مضيفة "يجب طرد هؤلاء النازيين (السلطة الأوكرانية)، فهم من شنوا الحرب!".

لم يشر فيوفيلاكت، كاهن دير "القدس الجديدة"، إلى أوكرانيا في عظته التي خصّصها لـ"القيامة" قبل أسبوع من بدء زمن الصوم الأرثوذكسي.

والكنيسة الأرثوذكسية في روسيا وبطريركها من أعمدة النظام الذي أرساه فلاديمير بوتين. فالبطريرك كيريل لا يرتدد في تبرير القمع الأمني للتظاهرات المعارضة أو في مباركة أسلحة موسكو وحروبها في الخارج. وهو وصف في العام 2012 بوتين بأنه "معجزة إلهية".

وفي معرض تبريره الحرب التي شنّتها روسيا الخميس، تحدث البطريرك عن "وحدة" الكنيسة الأرثوذكسية الروسية مع البلدان التي كانت تشكل تاريخيا "الخاقانية الروسية" أي حاليا روسيا وأوكرانيا وبيلاروس.

وأضاف الأحد في موسكو "علينا أن نبذل كل الجهود لحفظ السلام بين شعوبنا وفي الوقت نفسه حماية أمتنا التاريخية من كل الممارسات الخارجية التي يمكن أن تقوّض هذه الوحدة".