نبدأ جولتنا في الصحف البريطانية من الأوبزرفر، حيث نطالع تقريرا مطولا لمحرر الشؤون الدولية سيمون تيسدال، يتناول ما وصفه بأنه "كارثة" غذاء عالمية.
ونقل تيسدال عن محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي القول إن الحرب في أوكرانيا تُسهم بنصيب وافر في ارتفاع أسعار الغذاء، بل وفي شُحّ المواد الغذائية في البلدان الأكثر فقرا على نحو يبعث على القلق الشديد.
ويرى الكاتب أن التحذيرات من موجة جوع تجتاح العالم كانت قد ظلت خافتة على مدى أشهر، ولكنها باتت أعلى صوتا بعد الحرب الأوكرانية.
فإذا كانت تكلفة المعيشة في بريطانيا أصبحت تمثل مشكلة بالنسبة لحكومتها، فإن تكلفة الموت في الدول الأكثر فقرا حول العالم باتت هي المشكلة، لا سيما بالنسبة لمنظمات الإغاثة الأممية، بحسب تيسدال.
ورصد الكاتب تحذيرا أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، من أن الملايين حول العالم باتوا على شفا الوقوع في هوّة انعدام الأمن الغذائي، وأن ذلك قد يفضي إلى أزمة جوع قد يطول أمدها لسنوات، فضلا عن زيادة فرص حدوث كساد عالمي.
وبحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي، يواجه نحو 49 مليون إنسان حول العالم مستويات خطيرة من الجوع، فيما ينام يوميًا حوالي 811 مليون إنسان حول العالم بدون عشاء.
وفي منطقة الساحل بأفريقيا، على سبيل المثال، وصلت أعداد الذين يقفون على حافة المجاعة إلى عشرة أمثال عددهم على أقل تقدير قبل تفشي وباء كورونا.
ولفت صاحب التقرير إلى أن آثار الحرب الروسية-الأوكرانية كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بأسعار وتوفُّر السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والذرة والشعير وزيت عباد الشمس - والتي يسهم البلدان بنحو 30 في المئة من إنتاجها عالميا.
وأشار تيسدال إلى أن هذه الحرب في أوكرانيا سرّعت من وتيرة أزمة نقص الغذاء وموجات التضخم العالمية والتي كانت قد نجمت بالأساس عن عدد من العوامل المتضافرة، منها الآثار الاقتصادية التي خلّفها وباء كورونا؛ ومشاكل تتعلق بسلاسل الإمداد، والبطالة، والنقل؛ وأزمة تغير المناخ وتأثيرها على الإنتاج؛ وارتفاع تكلفة الطاقة؛ وتفشي الصراعات حول العالم.
وتعدّ الدول ذات الدخول المتوسطة، مثل مصر والبرازيل، فريسة سهلة لغُول انعدام الأمن الغذائي المطلّ بشبحه، بحسب ما نقل الكاتب عن تقرير صدر الأسبوع الماضي عن شركة فيريسك مابل كروفت الاستشارية في مجال المخاطر الدولية.
وأشار التقرير إلى أن دولا، مثل الأرجنتين وتونس وباكستان والفلبين، والتي تعتمد بشكل كبير على الواردات لتأمين احتياجاتها من الغذاء والطاقة، هي من بين دول عديدة متوسطة أو منخفضة الدخول مرشحة لأن تشهد اضطرابات أهلية مع نهاية العام الجاري 2022.
ويرى الكاتب أنه مع اقتراب شبح كارثة نقص الغذاء، ستصرخ الدول الأكثر فقرا كما هي العادة، فيما ستبدي الدول الأغنى شيئا من الصمود، ولكنْ إلى حين. على أنّ هناك مخاوف من أن تتجاوز الأزمة قدرة سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية على الصمود.
وفي ظل ذلك، يُتوقع حدوث اضطرابات سياسية، وأزمات إنسانية، وموجات من عدم الاستقرار في عالم يعاني ويلات الجوع.
حرب "مستمرة"
ونتحول إلى الصنداي تايمز التي نشرت تحليلا للباحث في الشأن الروسي مارك غاليوتي رصد فيه تغيّرا في سردية الكرملين بشأن الحرب في أوكرانيا.
ويستهل غاليوتي تحليله بالقول إنه من غير المعتاد أن يقدّم التليفزيون الروسي أي انتقاد لنظام فلاديمير بوتين الذي يُحكم قبضته على وسائل الإعلام في البلاد.
ولكن برامج حوارية سياسية على التليفزيون الروسي الأسبوع الماضي عرضت انتقادات للكرملين، بحسب غاليوتي، الذي رأى أن تلك العروض لا تشي بتراخي قبضة الرئيس بوتين على الحُكم بقدر ما تبيّن أنه إنما يعيد ضبط سرديتّه عن الحرب في أوكرانيا ويهيّئ الروس لاحتمال استمرارها لفترة طويلة.
وبحسب أيديولوجية بوتين، كما يراها غاليوتي، فإن الأوكرانيين يُثبتون بسالة في ميدان القتال لا لشيء إلا لأنهم روس في حقيقة أمرهم ... ولكنهم فقط لا يعلمون.
ولفت المحلل إلى أن النقد الذي عرضته الشاشات الرسمية الروسية اضطلعت به شخصيات منها الكولونيل المتقاعد ميخائيل خوداريونوك والذي أصبح الآن كاتبا في الشأن الدفاعي. ومنها أيضا البرلماني السابق سيرغي ماركوف والذي أصبح الآن محللا سياسيا في صحيفة برافدا.
وأورد صاحب التحليل ما خلص إليه سيرغي ماركوف في الردّ على سؤال حول صمود الأوكرانيين في تلك الحرب بالقول إن "الجيش الأوكراني هو توليفة قوية للغاية قوامها: جندي روسي، وضابط فاشستي، وجنرال أمريكي".
ويرى الكاتب أن السردية القائلة بأن كل شيء يسير على ما يُرام لم تعد فعالة الآن في روسيا، وأن تغيير هذه السردية بات ضروريا لتهيئة الروس لحرب يطول أمدها وتشهد سقوط الكثير من القتلى في ساحات المعارك بعيدا عن ديارهم، فضلا عن ضغوط اقتصادية في الداخل.
وبحسب غاليوتي، فإن التكتيك الأساسي الذي اتّبعتْه الآلة الدعائية للكرملين تَمثّل في خدعة التعددية؛ بمعنى تعدُّد الطرق التي تؤدي جميعًا لنهاية واحدة هي ذات النهاية التي ينشدها الكرملين.
ويستعين هنا الكاتب بتعبير دبلوماسي روسي سابق لم يُسمّه يقول إن "بإمكان كل واحد أن يسلك الطريق التي يرغب بها، طالما أنها جميعا تؤدي إلى نفس المقصد".
وعلى ضوء ذلك، لفت الكاتب إلى أن النقد الذي قدّمه كل من خوداريونوك وماركوف على التليفزيون الروسي إنما ينتهي إلى استنتاج واحد هو أن الأوكرانيين صامدون لأنهم مدعومون من الغرب، ونتيجة لذلك فإن الروس يواجهون حربا صعبة قد يطول مداها، وفضلًا عن ذلك فإن هذه الحرب يخوضها الروس دفاعا عن صورة روسيا ضد من يصوّرون شعبها على أنهم متوحشون وبرابرة.
وهكذا، باتت السردية الجديدة التي يعتمدها الكرملين هي أن الحرب الروسية الحقيقية ضد "الغرب مجتمِعا"، وأن الأوكرانيين أسلحة بأيدي الغرب الذي تمكن من إخضاعهم لعملية غسيل دماغ، بحسب الكاتب.
التعليقات