إيلاف من الرباط: أثار خبر توجيه وزارة الثقافة والشباب والاتصال المغربية "إنذارا قضائيا" للممثل القانوني لشركة "أديداس" بمقرها الاجتماعي بألمانيا، بخصوص استعمال أنماط للتراث الثقافي المغربي "الزليج المغربي" في تصاميم خاصة بقمصان رياضية مع نسبها لبلد آخر"، يقصد به الجزائر، ردود فعل متباينة، داخل وخارج المغرب، فيما يتوقع عدد من المتابعين للعلاقات المغربية -الجزائرية، أن تشكل هذه القضية لبنة أخرى في مسلسل طويل من الصراع بين بلدين جارين، يجمع بينهما مشترك تاريخي وديني وثقافي، من المفترض أن يكون عنصر وحدة وتعاون، لا خصومة ونزاع.

الزليج المغربي
وفي ما يمكن اعتباره تأكيدا للخطوة المغربية الرامية إلى رد "محاولة السطو على أحد أشكال التراث الثقافي المغربي التقليدي"، قال مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف العلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، الخميس، في معرض رده على سؤال حول "حماية الموروث الثقافي المغربي من السرقة"، إن "المدخل الأساسي لحماية الموروث الثقافي المغربي، قبل التوجه نحو المسطرة القضائية"، يتمثل في تسجيلها على مستوى المؤسسات الدولية.
وأشار بايتاس إلى أن "مثل هذه الحوادث تتكرر دائما، وسبق أن تكررت مع "شجرة الأركان" و"الكسكس"، وغيرهما". وشدد، خلال المؤتمر الصحافي، الذي أعقب المجلس الحكومي الخميس، على أنه "في كل مرة، كانت الحكومة تقوم بإجراءات قانونية وقبلها إدارية لكي تحافظ على هذا الموروث"، مذكرا بأن وزارة الثقافة "قامت بمجهود كبير هذه السنة، إذ سجلت جملة من العناصر التي تمثل الموروث الوطني على مستوى المؤسسات الدولية".

جدل متجدد
يرى عدد من المتتبعين لتطور العلاقات المغربية - الجزائرية أن قضية "الزليج" ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في مسلسل الصراع على الموروث الثقافي بين البلدين، مذكرين بجدالات سابقة همت "القفطان" و"الراي" وموسيقى "كناوة" و"الكسكس" و"الجلباب"، وغيرها من عناصر الهوية داخل البلدين الجارين.

من مآثر مراكش

"زليج" وقمصان كرة
تفجر جدل "الزليج" وقمصان خاصة بتداريب منتخب الجزائر لكرة القدم، بعد أن نشر مراد العجوطي، وهو محامي بهيئة الدار البيضاء ورئيس نادي المحامين بالمغرب، تدوينة على حسابه بـ"فيسبوك"، تحدث فيها عن تكليفه توجيه إنذار للممثل القانوني للشركة الألمانية، قبل أن يضيف: "قمنا بتنبيه الشركة إلى أن الأمر يتعلق بعملية استيلاء ثقافي ومحاولة السطو على أحد أشكال التراث الثقافي المغربي التقليدي واستخدامها في خارج سياقها مما يساهم في فقدان وتشويه هوية وتاريخ هاته العناصر الثقافية".
وكان عملاق الألبسة الرياضية الألماني قد نشر الأسبوع الماضي على موقعه الخاص بمنطقة (مينا)، على منصة "تويتر"، صورا لقميص تداريب المنتخب الجزائري، موضحا أن التشكيلة "مستوحاة من التصاميم العريقة لقصر المشور"، الذي يقع بمدينة تلمسان، القريبة من الحدود المغربية.

مشترك الماضي وجدل الحاضر
مما جاء في "الموسوعة العالمية" (ويكيبيديا) عن "قصر المشور"، الذي قالت "أديداس" إنها استوحته في تصاميمها لقميص المنتخب الجزائري: "تقول الكثير من المصادر التاريخية، إنّ هذه القلعة أسّسها المرابطون على عهد يوسف بن تاشفين، خلال الحصار الذي ضربوه على مدينة أغادير من أجل السيطرة عليها، وذلك في القرن الحادي عشر للميلاد، وهناك من يقول إنّ بني زيان هم الذين بنوه في القرن الرابع عشر للميلاد. وبحسب بعض المؤرخين، فإنّ كلمة "المشور" تعني المكان الذي يعقد فيه السلطان أمير المسلمين اجتماعاته مع وزرائه وكتّابه وضُبّاطه لمناقشة شؤون الدولة، والتشاور في أمور الرعية وقت السلم ووقت الحرب. وتضمُّ القلعةُ قصرَ المشور، وهو القصر الوحيد المتبقّي من أربعة قصور كانت تشكّل فيما مضى قلعة المشور، وهي "دار الملك" و"دار أبي فهر" و"دار السرور" و"دار الراحة"".

من مآثر مراكش


وسبق لماضي تلمسان التاريخي والحضاري أن أثار، قبل أشهر، جدلا داخل الجزائر، بعد أن نشر حساب الخطوط الجوية الجزائرية ب"فيسبوك"، منشورا تسويقيا، يتحدث عن تلمسان الفخورة "بماضيها المجيد والمزدهر، بآثارها الإسبانية – المغربية وطابعها الأندلسي، تلمسان "مدينة الفن والتاريخ" الملقبة ب"لؤلؤة المغرب العربي"".
وسارعت الخطوط الجوية الجزائرية إلى إنهاء مهام مديرة التسويق، بسبب ما اعتبر، بحسب وسائل إعلام جزائرية، "خطأ فادحا" و"تجاهلا واضحا لـجزائرية مدينة تلمسان، وكأنها تقع خارج التراب الوطني". وعمد المشرفون على حساب الخطوط الجوية الجزائرية بذات الموقع، إلى تعديل مضامين التدوينة، بحذف عبارة: "بآثارها الإسبانية – المغربية وطابعها الأندلسي".
وتضمنت صورة الإعلان المرافق لكلمة المنشور، طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية تحلق فوق "صومعة المنصورة" بضواحي تلمسان، التي "شيدها ملوك بني مرين المغاربةً، ومكنت الحفريات من إعادة وضع تصميم المسجد الذي بناه السلطان أبو يعقوب سنة 1303 وأعاد أبو الحسن زخرفة بابه الرئيسي سنة 1336"، كما جاء في عدد من الكتابات التاريخية.


ويعد أبو الحسن المريني، كما تقول "الموسوعة العالمية" (ويكيبيديا)، "من أهم ملوك المغرب، حيث تمكن من استرجاع جبل طارق من القشتاليين في الأندلس على يد ابنه أبو مالك كما استطاع القضاء على دولة بني عبد الواد ودخول تلمسان وجعلها تابعة للدولة المرينية. وفي مرحلة لاحقة تمكن من ضم إفريقية ودخول تونس عاصمة الحفصيين سنة 748 هـ، لتبلغ بذلك الدولة المرينية في عهده أوج قوتها وازدهارها.
ويشتهر "قصر المشور" كواحد من أبرز المعالم الأثرية بتلمسان، التي تختصر واقع حال ماضي المنطقة المغاربية.


أبعاد سياسية وثقافية
عاد المحامي العجوطي، في تدوينة أخرى، على حسابه ب"فيسبوك"، ليدافع عن الخطوة المغربية، حيث كتب: "الذين يعيبون علينا الدفاع عن التراث الثقافي المغربي لا يدركون الأبعاد السياسية والاقتصادية للاستيلاء الثقافي". وأرفق تدوينته بصورة لمقال سبق أن نشر في 2021، يحمل عنوان: "المكسيك تتهم "زارا" بـ"الاستيلاء الثقافي في تصميم منسوجات"، يتحدث عن توجيه حكومة المكسيك "خطابات إلى العلامات التجارية (زارا) و(أنثروبولوجي) و(باتول) أبدت من خلالها اعتراضها على الاستيلاء غير المناسب على ثقافة العديد من المجتمعات لولاية أواخاكا من خلال استخدامها في تصميمات على المنسوجات".

مناورة سياسية غير بريئة !
عاد العجوطي عبر عدة تغريدات باللغة الفرنسية على حسابه ب"تويتر"، ليتوسع أكثر في خبر الإنذار الذي كان موضوع المراسلة الموجهة ل"أديداس"، حيث كتب: "طالبنا بسحب هذه التشكيلة داخل أجل 15 يومًا من استلام الرسالة أو نشر بيان صحافي يبين أن التصاميم المستوحاة في الأقمصة مستوحاة من المغرب، أو رفع دعوى قضائية".
وأضاف: "بعيدا عن الاستغلال الاقتصادي لهذه العناصر المعبرة عن الهوية الثقافية المغربية، فإن استعمال عنصر ثقافي تقليدي لبلد ونسبه لبلد آخر، يمكن أن يمثل مناورة سياسية غير بريئة".

وثيقة تقييد زليج فاس بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية

وزاد العجوطي: "هذه حالة أخرى من حالات الاستيلاء الثقافي، والتي تتمثل في أخذ تعبير ثقافي تقليدي، لتكييفه مع ثقافة أخرى في سياق مختلف، دون إذن أو إقرار بالمصدر، بطريقة تضر بأصحاب التعبير الثقافي الأصلي".
وأشار العجوطي إلى أنه "بعيدا عن الاستغلال الاقتصادي لهذه العناصر المعبرة عن الهوية الثقافية المغربية، فإن استعمال عنصر ثقافي تقليدي لبلد ونسبه لبلد آخر، يمكن أن يمثل مناورة سياسية غير بريئة".
ورأى العجوطي أن "هذه حالة أخرى من حالات الاستيلاء الثقافي، والتي تتمثل في الاستيلاء على تعبير ثقافي تقليدي، لتكييفه مع ثقافة أخرى في سياق مختلف، دون إذن أو اعتراف بالمصدر".
وساق العجوطي، في معرض دفاعه عن الأطروحة المغربية، مقالا نشرته إحدى المجلات العلمية المتخصصة، حيث كتب: "بحسب المجلة العلمية (ArcheoSciences) سنة 2019 (رقم 43-2)، بعنوان "قصر المشور (تلمسان – الجزائر): ألوان الزليج"، فإن قطع الزليج الموجودة في هذا القصر مستوحاة من المغرب".

ترميم وتجربة مغربية
يشار إلى أن "قصر المشور"، كان خضع، قبل سنوات قليلة، لعملية ترميم راعت قيمته التاريخية، بعد الاستعانة بخبرات مغربية وإسبانية. وعند انتهاء أشغال الترميم، أشرف الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة على إعادة فتحه أمام الزوار في أبريل 2011؛ وتحدث، في تغطية نقلها التلفزيون الجزائري، عن الدور الذي لعبه المغاربة والإسبان في عملية ترميم هذه المعلمة التاريخية، داعيا الخبراء الجزائريين إلى الاستفادة من التجربة المغربية والإسبانية في مجال الحفاظ على التراث. وأضاف: "لا ينبغي التردد، إذ يجب عليكم القيام بأبحاث أو يمكنكم إيجاد الحل السريع في إسبانيا أو المغرب".

توثيق "زليج" فاس
خرجت وزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، الجمعة، عبر موقعها الرسمي ب"فيسبوك"، بتدوينة قالت فيها إن "الزليج .. تعبير فني عن أصالة المعمار المغربي تشهد به المنظمة العالمية للملكية الفكرية وكبار خبراء الفن الهندسي".
وزادت أن "الزليج يعد من الأشكال الفنية الأكثر تعبيرا عن أصالة المعمار المغربي بحيث ترجع صناعته إلى القرن العاشر ميلادي، حيث ازدهر في عهد المرينيين بالمملكة الشريفة قبل أن ينتقل للقبائل المجاورة خلال القرون التالية".
وقالت إنه "من المعروف أن الزليج الفاسي يعد الأشهر على الصعيد الوطني والدولي بفضل جودته وجماليته وأصالته وأشكاله المزخرفة وألوانه المتعددة، ولكونه كذلك يعتمد على إبداع ومهارة الصانع وخبرته وهو ما يجعل عددا من الدول تطلب الخبرة المغربية في هذا المجال".


ورأت أنه "يمكن القول إن الزليج يُذكر بشكل أساسي بمدينة فاس بحكم أنها صاحبة هذا الفن والمركز الرئيسي لإنتاجه وصناعته نظرا لطينها الخاص غير الموجود بالأماكن الأخرى".
وأشارت الوزارة إلى أن المغرب كان "قد قام بتسجيل الزليج الفاسي وتحفيظه ضمن تصنيف ڤيينا للعناصر التصويرية التابع للمنظمة العالمية للملكية الفكرية سنة 2015. كما يُذكر أن لدى الجامعات المغربية أعمال بحثية أكاديمية مع كبار خبراء الفن الهندسي الذين يعتبرون المغرب منبع هذا النوع من الفن ولعل أبرزهم Rushita Choksey وJean Constant".وأرفقت الوزارة تدوينتها برابط وثيقة التقييد بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية.