باريس: "كان مينغيلي يتمتّع بمظهر لطيف لكنه كان مجرّدا من المشاعر الإنسانية"... هكذا وصفت ليديا ماكسيموفيتش وهي من الأشخاص الذين كانوا حقل تجارب لطبيب أوشفيتز، في كتاب صدر في كانون الثاني/يناير روت فيه مجددا "لمحات" من ذكرياتها، مع الاعتماد على مصادر تأريخية.

أتت هذه المرأة البولندية من أصول بيلاروسية والبالغة 82 عاما للإدلاء بشهادتها مطلع شباط/فبراير في النصب التذكاري للمحرقة في باريس لمناسبة إصدار هذا الكتاب المترجم إلى الفرنسية، أمام جمهور معظمه من الشباب.

وصلت ماكسيموفيتش في سن الثالثة إلى معسكر الإبادة النازي أوشفيتز-بيركيناو، في أحضان والدتها، السجينة السياسية، في كانون الأول/ديسمبر 1943.

في تلك السن "لم نكن قادرين على العمل، لكن كان بالإمكان إجراء تجارب علمية زائفة علينا"، كما روت أمام الجمهور الحاضر في قاعة محاضرات.

كان الألماني يوسف مينغيلي الذي كان يبلغ 32 عاما والذي كان باحثا في علم الوراثة، قد عيّن في هذا المعسكر في ذلك العام. فرأى فيه فرصة للقيام بتجارب علمية على البشر اتّسمت بممارسات فظيعة بعيدا عن أي اعتبارات أخلاقية.

وتمت صياغة كتاب "الفتاة الصغيرة التي لا تعرف الكره" (دار ميشال لافون للنشر) الذي يتضمّن شهادة ماكسيموفيتش، مع الصحافي الإيطالي باولو روداري.

في أيار/مايو 2021، عندما رأى البابا فرنسيس يقبل وشم هذه الناجية من أوشفيتز، صمّم هذا الفاتيكاني على جعلها تروي قصتها مجددا عبر مترجمة.

صدر الكاتب بالإيطالية في كانون الأول/يناير 2022، ثم تُرجم إلى البولندية والإسبانية والإنكليزية والبرتغالية والفرنسية أخيرا، تزامنا مع إصدار رواية أخرى بعنوان "تواما مينغيلي" لإيفا موزيس كور (دار أرمان كولان للنشر) وهي يهودية رومانية توفيت في العام 2019.

أما يوسف مينغيلي فتوفي هاربا في البرازيل عام 1979، من دون أن يحاسب على جرائمه.

يشترك الكاتبان في الإصرار على عدم كره الطبيب مينغيلي. فقد أثارت كلمات إيفا موزيس كور جدلا حين كتبت في روايتها أن امرأة سألتها عما إذا كانت تفكر في "المسامحة".

وأوضحت في كتابها "لقد فوجئت بالسؤال بداية، لكن بعد ذلك، وعدتها بأنني سأفعل ذلك: في الواقع، كانت لدي القدرة على مسامحة ملاك الموت".

من جهتها، كتبت ليديا ماكسيموفيتش "اخترت عدم زرع الكراهية والانتقام".

عندما سُئلت كيف أمكنها الاحتفاظ بذكرياتها في أوشفيتز-بيركيناو رغم صغر سنّها في ذلك الوقت، تحدثت ماكسيموفيتش عن "لمحات"، مثل الأوقات عندما "دفعتهم غريزة الطفولة إلى الاختباء تحت الأسرّة حتى لا يراهم الدكتور مينغيلي".

ومن أجل معرفة ما عانته بالضبط، اطّلعت على أعمال مؤرخين.

وأضافت في قاعة المحاضرات "أخذت عينات من الدم منا. (...) اختبرت علينا لقاحات (...) وضع في أعيننا محلولا يفترض أن يغير لونها إلى الأزرق".

وأشارت في الكتاب إلى أنها لا تتذكر ملامح الطبيب النازي، لكنّها تتذكّر "حذاءيه الملمّعين جيدا" و"نظراته المرعبة".

يقترب اليوم الذي لن يتذكّر فيه أحد ما رآه في أوشفيتز.

وتابعت "حاليا، يبدو أن الناس غير مبالين إلى حد كبير بما حدث. وطالما أنني أتمتع بصحة جيدة وطالما أنني أملك القوة، أريد أن أقدّم شهادتي حتى لا تكون هناك لامبالاة".