الثلاثاء: 25. 10. 2005

بنغلادش وتشاد وهايتي وميانمار، هي الدول الأكثر فقراً، والأكثر فساداً وفقاً لمنظمة الشفافية العالمية، من بين (159) دولة· والفساد المقصود هو الفساد الحكومي، والحمد لله أن الكويت جاءت في المرتبة (45) بعد أن كانت في المرتبة (44) العام الماضي، وقد كانت سلطنة عمان والإمارات والبحرين وقطر والأردن وتونس أفضل حالاً من الكويت التي تُعد أقدم دولة خليجية في الديمقراطية والدستورية وتشريع القوانين· والسؤال: إذا كانت الدول الغنية عرضة بدرجة أكبر إلى انتشار الفساد من الدول الفقيرة، فما هو تفسير تلازم الفقر، بل والفقر المدقع، مع الفساد في هذه الدول؟ لا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مختصين· فالفقر يدفع دائماً إلى انخفاض المرتبات والأجور ومن ثم مستويات الدخل وبالتالي تتواجد في المجتمع طبقتان فقط لا غير: الطبقة الفقيرة المسحوقة والطبقة الغنية التي تستأثر بكل الأنشطة المالية والاقتصادية، مما يدفع الموظف الحكومي إلى أخذ أو حتى طلب الرشوة كمدخول مالي جانبي· وبسبب البيروقراطية باعتبار أن الدولة هي الجهة الوحيدة التي تستطيع توظيف أكبر قدر ممكن من الناس، فتتعقد المعاملات الرسمية في تشابك غريب لا يفيد معه إلا الرشوة سبيلاً لإنهاء المعاملات الحكومية· وفي غياب الطبقة الوسطى، تغيب دولة الرفاه، وينتشر الفساد في الأروقة الحكومية·
لكن، لماذا لا تحارب الدولة هذا الفساد الحكومي؟ وهنا أتذكر تلك القصة التي تقول إن أحد الزعماء طلب من أتباعه يوماً أن يتبرعوا بصفيحة من الكيروسين نظراً لحاجة القصر لذلك بسبب شح الوقود· فقال كل واحد من الأتباع، لو وضعت ماء بدلاً من الكيروسين فلن يضرهم شيء لأن الماء سيضيع بعد المزج مع الكيروسين، وكل واحد فكر بنفس الطريقة، وفي النهاية لم يحصل الزعيم على كيروسين، بل على براميل ماء· وأعتقد أن لدينا شيئاً مشابهاً في حالة علاقة الفساد بالفقر، حيث يقول كل موظف مسحوق، ما ضرّ لو أخذت هذا المبلغ من المال وأصدرت شهادات ضريبية مثلاً كاملة دون أن يدفع صاحبها المبلغ كاملاً، فلن تتضرر الدولة، ودافع الضرائب يفضل دفع الرشوة البسيطة باعتبار أن ذلك لن يضر الدولة، وهكذا يزداد عدد الذين يقبضون الرشوة، وفي النهاية الجميع يخسر، الدولة تخسر المال، والناس تخسر أخلاقها·
هل الفقر مبرر لانتشار الرشوة؟ لماذا لا يسعى هذا المرتشي إلى تحسين أحواله بالعمل الجاد والشريف؟ لسبب بسيط وهو غياب العدالة الاجتماعية، ومبدأ تكافؤ الفرص، والمساواة، ومعيار الكفاءة· في الدول الفقيرة عموماً هناك اختلالات اجتماعية واقتصادية، يدفع جميعها الإنسان نحو الانحراف· ولذلك غالباً ما تكثر في المجتمعات الفقيرة، الجريمة بسبب غياب الأمن، حيث يمكن رشوة رجل الأمن ذي الأجر البسيط، وحيث تدر الجريمة مالاً أكثر من العمل الحكومي، وبسبب غياب دولة القانون تجد الكل قابلاً للإفساد، رجل السياسة ورجل الشارع سواء بسواء، وينتشر الداء في المدارس والمؤسسات الأهلية والمستشفيات حيث تتم سرقة الأدوية أو التحايل فيها، وبذلك يصبح الفساد أسلوب حياة ''يتأقلم'' معه الإنسان، فلا يعود يرى بأساً في الارتشاء لأنه لا بديل عن هذا الأسلوب للتعامل مع المشاكل البيروقراطية· وغالباً ما تكون الرشوة الحل الأسهل للدولة ذاتها التي تتجاهل انتشار الرشوة بسبب الكلفة المادية والسياسية العالية للإصلاح القانوني والإداري· ومن ثم يصبح هناك ''إدمان'' على الفساد الحكومي، ومن ثم يعتاده المرء ولا يرى فيه بأساً· ومع الفقر وتدني مستوى الرفاه تضيع كل البرامج الحكومية لإصلاح الواقع الفاسد، لأن المستفيدين لا يريدون تغيير الواقع الذي يعمل لصالحهم· والدليل على ذلك وجود الأثرياء -حتى الفحش- في هذه المجتمعات الفقيرة·