القاهرة ـ من جاكلين زاهر وعدنان عبد المحسن:

اعلن شيخ الأزهر سيد طنطاوي، انه اجرى لقاء خاصا مع بطريرك الكرازة المرقسية الأنبا شنودة الثالث على خلفية أحداث الاسكندرية التي شهدت صدامات بين متظاهرين وقوات الأمن أمام كنيسة مار جرجس، حين حاول المتظاهرون اقتحامها محتجين على مسرحية عرضت فيها قبل عامين، تم تصويرها وبثها من خلال أسطوانات مدمجة، واعتبرت في بعض مشاهدها «مسيئة للاسلام».
وقال طنطاوي لـ «الرأي العام»: «التقيت البابا شنودة وحدثته عن المسرحية المسيئة للاسلام، فأقسم لي على الانجيل أنه لا يعلم شيئا عن هذه المسرحية», وأضاف: «أكد لي البابا شنودة أن جميع القيادات الكنسية لم تعلم شيئا عن هذه المسرحية الا عند اثارة الموضوع في الصحف».
وأشار الى أن البابا شنودة «أكد أنه على استعداد لتقديم اعتذار للمسلمين اذا كان بالفعل هناك خطأ من آباء كنيسة مار جرجس, وأكد أنه سيتخذ اجراءات صارمة ضد آباء كنيسة مار جرجس اذا ما دانهم التحقيق الذي تتولاه الأجهزة الأمنية، والذي سيتضح معه ما اذا كانت الكنيسة بالفعل تعلم بهذه المسرحة أم لا»؟
واعتبر طنطاوي أن اثارة مثل هذه الأحداث «غريبة على مصر وعلى شعبها», قائلا: «لا أعلم من الذي وراء اذاعة هذا الشريط وتسريبه للصحافة»، متهما الصحافة باثارة موضوعات تؤدي الى انقسامات وفتن تضر بالوطن ولا تراعي الضمير الصحافي, وتساءل: «من الذي أعطى الـ سي دي الخاصة بالمسرحية الى الصحافة والقيام بنشرها»؟ مجيبا: «بالتأكيد أن وراء هذا التسريب شيئا متعمدا».
والمح شيخ الأزهر الى موافقته على اجراء لقاءات تقودها شخصيات حزبية وشعبية غير رسمية لتطويق الأزمة في الاسكندرية، غير أنه قال: «لا أقبل بوساطة جماعة الاخوان المسلمين», وتابع: «أتمنى ألا تتدخل هذه الجماعة «الاخوان» حتى لا تزيد الأمور سوءا», وأضاف: «لقد كان الزج باسم هذه الجماعة، والحديث عن أنها وراء حشد التظاهرات حول الكنيسة السبب الأكبر في زيادة رقعة المشكلة».
وأنهى طنطاوي حديثه بقوله: «يجب على القضاء أن يقول كلمته، وأن يتم التحقيق في القضية بموضوعية شديدة ومحاسبة المسؤول عن هذه الجريمة, واذا دان التحقيق الكنيسة يجب على البابا شنودة تقديم اعتذار للمسلمين وهو لا يرى بأسا في ذلك»، لافتا الى أن «البابا شنودة ليس لديه مانع في ذلك».
على صعيد متصل، وخلال افتتاح اللقاء الثالث لاساقفة جنوب الكرة الأرضية، اول من امس في القاهرة، استبعد طنطاوي أن تؤثر أحداث الكنيسة على علاقات الأخوة والمحبة التي تربط المسلمين والأقباط، معتبرا، ما «حدث مجرد خطأ من جانب قلة من الناس، تم تداركه بسرعة»، منبها الى البيان المشترك الذي أصدره هو والبابا, وقال: «يجب على الجميع أن يعيشوا متحابين في أخوة وسلام، مثلما هي الحال في الواقع»، لافتا الى أن تلك الأحداث بكل وقائعها «حولت لجهات التحقيق لتفصل فيها، بين المخطئ والمصيب»، مشيدا باستجابة أبناء الشعب المصري في العودة للأوضاع الهادئة والذي سيحرص الجميع على بقائها على هذا النحو.
وشدد طنطاوي على ضرورة استمرار التحاور بين الاسلام وأصحاب الديانات الأخرى، شرط أن يكون هذا الحوار غير متعلق بجوهر العقيدة والا أصبح حوارا عقيما, وقال: «الحوار يجب أن يتركز على الجوانب الأخلاقية والانسانية المشتركة في كل الديانات السماوية، كالاخلاص في العبادة لله عز وجل، والتحلي بمكارم الأخلاق الحميدة ونبذ كل الرذائل والشرور».
وبالمثل، دعا أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية المصرية، الأنبا موسى، المسلمين والأقباط الى تجاوز هذه الأحداث، واصفا اياها بأنها «عمل أرعن، وتصرف مسيء، لكنه يعد في نهاية الأمر أمرا فرديا لم يتكرر في أي كنيسة أخرى، ومن هنا يجب ألا يؤثر على العلاقات الأخوية بين المسلمين والأقباط».
وأشار الى أن غياب البابا شنودة عن افتتاح اللقاء «جاء بسبب شعوره بالارهاق لازدحام جدول لقاءاته في الأيام الأخيرة», واعتبر أن فكرة «الاعتذار» من قبل الكنيسة عما حدث «مسألة ليست في محلها الصحيح لأنه في نهاية الأمر، الخطأ اذا حدث بالفعل، فهو خطأ فردي ويجب ألا يقابله على الاطلاق اعتذار الرمز الديني»، مؤكدا أنه «اذا ما حدث العكس وأخطأ شاب مسلم في حق الديانة المسيحية فليس من المعقول أن تطلب الكنيسة مقابل ذلك اعتذارا من فضيلة شيخ الأزهر».
وقال «ان الحل الصحيح في تلك الأزمة يكون بتجاوزها بالعلاقات الطيبة وبالهدوء والتعقل وليس باصلاح الأخطاء بأخطاء أكبر»، مشيرا الى ما حدث من اعتداءات من جانب الشباب المسلم في الاسكندرية على الكنيسة، معتبرا كل ذلك، رغم كل شيء، «ما هو الا ثورة انفعالات عابرة ستمضي ويعيش بعدها المصريون، في سلام مرة أخرى كما عاشوا طيلة أربعة عشر قرنا كاملة».
وشدد موسى على عدم معرفة قادة الكنيسة بتلك المسرحية الا من خلال الصحف، ملقيا على هذه الصحف مسؤولية اثارة المواطنين، بدلا من أن تقوم بواجبها الرئيسي الصحيح في التوعية، منبها الى أن ذلك لا ينفي ضرورة وجود يقظة من جانب الكنيسة, وقال: «كان يجب رفض سيناريو ونص هذه المسرحية قبل عرضها مع العلم أنه قد تم وقفها بعد يوم واحد فقط من عرضها وكأنها جنين ولد ميتا».
واشار الى كون تلك المسرحية والمسماة «كنت أعمى والآن أبصرت» مجرد عمل درامي يحاكي فيلم «الارهابي» للفنان عادل امام «لكن تم تغيير الشخصيات الاسلامية بأخرى مسيحية».
ونفى موسى أن يكون هناك أي تقصير من جانب الأجهزة الأمنية في حماية الممتلكات القبطية في الاسكندرية، مشيدا بمستوى أدائهم في تلك الأزمة وكيف تم تأمين الكنيسة ومبانيها وصد العديد من الهجمات عليها أثناء أحداث الشغب.
وكان مطران الكنيسة الاسقفية منير حنا أنيس، أكد أن قرار عقد مؤتمر «اللقاء الثالث لأساقفة جنوب الكرة الأرضية»، في مصر، قلب العالم العربي والاسلامي، يؤكد أهمية دورها في العالم، لافتا الى اصرار قادة الكنيسة على استمرار الحوار بين الأديان والعمل المشترك من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة، موضحا أن هدف المؤتمر هو مناقشة المشاكل التي تعيشها الكنيسة والمجتمع وسط عالم مضطرب مليء بالحروب والأحداث الارهابية والبعد عن الله والانحدار الأخلاقي، داعيا الجميع «الى العمل من أجل تنمية مجتمعاتهم للتغلب على مشاكلها، وبث القيم الدينية التي تدعو الى سلام والمصالحة وتنمية ثقافة الحوار بين أبناء الديانات».