الإثنين: 03. 10. 2005


في مقال قيم شرح الباحث المصري في تقنية المعلومات الأستاذ عبدالناصر عبدالعال مشكلة الفجوة الرقمية التي يجب على العرب سدها أو ردمها »فيما تتسارع التكنولوجيا عالمياً (الحياة 1/10/2005) حيث يقول باختصار انه طبقاً لاحصاءات عام 2005 يتبين ان معدل مستخدمي الانترنت في الشرق الاوسط (8.3) في المئة, وفي افريقيا (1.8) وفي اوروبا (48) في المئة, في حين ان المتوسط العالمي (14.6) في المئة.
وبذلك يمكن القول ان من المتوقع ظهور نوع جديد من الفقر هو »الفقر المعلوماتي« و»أن تزداد الفجوة أكثر فأكثر بين من لديهم القدرة على الحصول على تكنولوجيا المعلومات ومن ليست لديهم تلك القدرة على ذلك« وفي خضم مطالبته هذه تعرض لنا مراسلة صحيفة »الحياة« في القاهرة تقريراً إخبارياً بعنوان »الكمبيوتر يكدس في المخازن كالبضاعة القديمة«: الحكومة الالكترونية تصطدم بالعقلية البيروقراطية المتكلسة مصريا.
وعندنا وعندهم خير, فحكومتنا قبل فترة وجيزة افتتحت البوابة الالكترونية لدخول الموظف, لا المراجعين..! من دون ان نذكر الهيصة والزيطة التي رافقت تأسيس الحكومة الالكترونية, وكله على الفاضي, وباستثناء دبي, لا توجد حكومة عربية واحدة قادرة على تفعيل الحكومة الالكترونية, علماً لو أن إمارة دبي, دولة لما استطاعت ان تنجو من البيروقراطية, وها هي جموع العمال الذين لم يقبضوا اجورهم يقومون بالاضرابات!
يخطئ من يعتقد ان مشكلة الفجوة الرقمية يمكن ان تحل برفع نسبة مستخدمي الانترنت, ذلك ان مشكلة الفجوة الرقمية, مشكلة عقلية حضارية لا يملك العربي البيروقراطي العاجز عن التطوير لأسباب إدارية واجتماعية القدرة على ردمها, وسأضرب بعض الأمثلة على هذا الأمر في الكويت:
امتدحت الإدارة الخاصة باستخراج شهادة الميلاد للطفل حيث تجتمع ثلاث ادارات في مكان واحد, وهي الصحة لاستخراج شهادة الميلاد والداخلية بالاضافة الى ملف الجنسية لوالد المولود, والبطاقة المدنية. لكن اضافة المولود الى جواز أمه تحتاج الذهاب الى ادارة اخرى من ادارات وزارة الداخلية!
مع الاشارة الى ان تواجد الادارات الثلاث في مبنى واحد لم يغن عن تواجد ثلاثة مكاتب منفصلة لانجاز ثلاث معاملات للطفل! هل يعقل أنه يستحيل استخدام موظف واحد للقيام بالعمليات الثلاث?
جامعة الكويت, مهد العلم كما يفترض, وهي مؤسسة واحدة بادارات متعددة, يحتاج فيها الاستاذ الجامعي حين يتقاعد الى المرور على ثلاثة عشر مسؤولاً للختم والتوقيع لبراءة الذمة في مبان متفرقة, وقد اضطررت الى تأجير موظف للقيام بهذه المهمة ودفعت له المقسوم حتى اتجنب عناء الذهاب الى ثلاثة عشر مسؤولاً, ألم يكن بالإمكان تخليص هذه المعاملة لاستاذ جامعة من خلال الحاسوب? هل نتحدث عن وزارة التربية التي نستخرج شهاداتها باللغة العربية من المنطقة التعليمية, في حين يحتاج استخراج شهادة باللغة الإنكليزية الذهاب الى الشويخ والمرور على ثلاثة مبان متفرقة من دون أي دليل إرشادي?!
إذن القضية تتصل بالعقل والفعالية الحضارية وهو من أسس الدولة الحديثة, في حين أن الدول العربية ليست دولاً بالمعنى الإداري والحضاري, بل مجرد مجتمعات لها بيارق ونشيد وطني, وهو ما يفسر فشل هذه الحكومات التي تدير هذه الدول في كل مجالات التعليم والصحة والحريات والإعلام .. الخ. وحتى لو أصبحت نسبة استخدام الانترنت خمسين في المئة, فماذا يمكن ان يعني ذلك? لا شيء سوى تكدس أجهزة الحاسوب في مخازن الوزارات. أليست نكتة ان نطلب إقامة حكومة الكترونية ووزارة الداخلية عاجزة عن تصليح مكائن التصوير في المخافر, ووزارة التربية عاجزة عن توفير صيانة ذات كفاءة للمدارس? الدول الحقيقية تقوم بالإنسان وعقله لا بالآلات المستوردة. في الغرب نجد أن الفكر هو الذي يوصل الإنسان للآلة. وفي الشرق يستوردها على الجاهز .. فمن أين يأتي الفكر?

* كاتب كويتي