السبت: 12. 11. 2005
شيء ما
د. حسن مدن
“هاك ما يحصل لنا في مجال الموسيقا: علينا أن نتعود في البدء أن نسمع مجازاً، لحناً نتميزه بالسمع، وأن نفرزه وأن نعزله، وأن نحدد بصفته حياداً لذاته، ثم علينا في ما بعد أن نقوم عن طيب خاطر بالجهد لتحمله بالرغم من غرابته، وأن نستخدم الصبر لنقبل هيئته وتعبيره الجسماني والشفقة لنسامح فرادته، وتأتي أخيراً اللحظة التي نكون فيها قد اعتدنا عليه، والتي ننتظره فيها والتي نشعر فيها أنه ينقصنا إذا غاب عنا، مذ ذاك الحين يستمر في ممارسة قهره وسحره علينا ولا يتوقف إلا إذا أصبحنا من عشاقه المتواضعين، من مخلصيه المسلوبين الذين لا يطلبون من العالم أكثر من شيء سواه. هو أيضاً ودائماً هو”.
قائل هذا الكلام هو الفيلسوف الألماني نيتشه، وكلامه هذا جاء في فقرة تحت عنوان “يجب تعلم الحب” لأن الأمر برأيه لا يقتصر على هذا المنوال في الموسيقا فقط. فهذه الطريقة تعلمنا أن نحب كل ما نحبه، إن إرادتنا الطيبة، صبرنا، عدالتنا، لطفنا مع الأشياء الجديدة علينا تنتهي بأن ترجع لنا، لأن الغرابة تخلع شيئاً فشيئاً سترها لنا وتظهر لعيوننا جمالها الذي لا يوصف.
الحب أيضاً يجب أن يلقن.
يعتقد نيتشه أن كلمة الحب تدل بالواقع على شيئين مختلفين بالنسبة للرجل وبالنسبة للمرأة، وبرأيه أن من شروط الحب عند الجنسين الا يفترض الواحد الشعور عينه عند الآخر، الا يفترض نفس فكرة “الحب” الخاصة به، ان ما تفهمه المرأة بالحب لهو أمر واضح بما فيه الكفاية. إنه ليس مجرد التفاني، انه هبة كلية للجسد والروح من دون أي شرط، دون أخذ أي شيء آخر بعين الاعتبار، فهي تخاف وتحمر خجلاً لفكرة التخلي بشرط، لتخل مرتبط بشروط، ان غياب الشروط هو ما يجعل من حبها الإيمان الوحيد الذي تملكه المرأة.
أما الرجل فإذا أحب المرأة، فإن هذا هو الحب الذي يريده منها، وبكلمات نيتشه نفسه: “ان رجلاً يحب كالمرأة يصير من هنا بالذات عبداً، بينما المرأة إذا أحبت كامرأة فإنها تصير بذلك امرأة أشد كمالاً”. تريد المرأة أن تؤخذ، تريد أن تذوب في فكرة الملكية لأنها تفترض أن الرجل يأخذ، انه لا يعطي نفسه، ولكنه يريد على العكس من ذلك أن يغني أناه بالحب وبتكاثر القوة، انه يفهم الحب على أساس أن المرأة تمنح نفسها وهو، بصفته رجلاً يزداد بها.
هذا الكلام لفيلسوف القوة نيتشه لا يعجب الناشطات في الحركة النسوية بالتأكيد، لأنه يضع مفاهيمهن موضع الشك والمساءلة، لكنه يصر عليه معتبراً أن الاخلاص جزء من الحب الأنثوي، ينتج عن تعريف الحب نفسه، ويمكن أن يولد بسهولة عند الرجل على إثر الحب كنوع من الاعتراف بالجميل أو من فطرة ذوقه وكنوع من التلاؤم الانتقائي الذي قد لا ينتمي إلى ماهية الحب، ويمكن للشاكيات من طغيان النظرة الذكورية عند الرجل أن يجدن في الكلام التالي لنيتشه ما يروق لهن: “حب الرجل هو رغبة بالامتلاك وليس تخلياً أو تنازلاً. ونادراً ما يعترف الرجل وبشكل متأخر بهذه الملكية، ذلك بأن تعطشه الدقيق والأشد شكاً في التملك هو الذي يجعل حبه مستمراً، ويمكن له أن يستمر حتى بعد تخلي المرأة المكتمل، فالرجل لا يقبل بسهولة انه لم يبق للمرأة شيء تتخلى عنه”.
التعليقات