فنجان قهوة
أبو خلدون


في مارس/ آذار 1977 اكتشف الأمريكيون ان سرا من أكثر أسرارهم الأمنية أهمية تعرض للاختراق، وأن السوفييت توصلوا إلى معرفة أماكن وجود العديد من منصات الصواريخ والانظمة الرادارية في الولايات المتحدة.

احتار المسؤولون الأمريكيون في الأمر، وبدأوا يبحثون عن الثغرات الموجودة في نظامهم الأمني، ويدققون في ملفات العاملين في مراكز الأنظمة الصاروخية والرادارية للتأكد من ولائهم، ومن باب الاحتياط غيروا أماكن وآليات عمل كل الاسلحة الصاروخية والرادارية لديهم، وكل الأجهزة التي كشف السوفييت أسرارها، ومع ذلك فإنه بعد شهر واحد فقط اكتشف الأمريكيون أن السوفييت على علم تام بكل الأماكن الجديدة للأسلحة، وبكل التغييرات التي حدثت.

وبحث الأمريكيون كل احتمال يمكن أن يخطر على البال: وجود كاميرا أو جهاز إرسال غريب في المنشآت مثلا، أو وجود قمر اصطناعي سوفييتي في الأجواء، ينقل الأسرار إلى موسكو، فلم يجدوا شيئا، ولكن حارسا في إحدى القواعد الجوية الأمريكية لاحظ أن شخصا اعتاد السير على مهل في الشارع العام المجاور للقاعدة، وهو يرسل النظرات بين الحين والآخر إلى الداخل, ولاحظ الحارس ان الرجل يظهر بشكل منتظم تقريبا، وأنه شوهد في كل الأماكن التي تم اختراقها من قبل السوفييت، فالتقطت المخابرات الأمريكية صورا بصورة سرية له، وتأكدت من هويته, فتبين ان اسمه اليكسي، وأنه أكاديمي في التاسعة والثلاثين من العمر، يزعم أنه هرب من جحيم الشيوعية إلى الولايات المتحدة، وبعد أسبوعين من التحقيق المكثف معه، اعترف اليكسي بأنه هو الأداة التي نقلت كل المعلومات، والتغييرات، إلى السوفييت، وأن الوسيلة التي اتبعها في ذلك هي “التخاطر أو التليباثي” وقال انه كان يركز على المنشآت الأمريكية، ويتصل بالتخاطر مع شخص آخر يجلس في غواصة تحت الأعماق في البحر الأسود، وقد اتفق الاثنان على جدول زمني لتحديد ساعات بدء التخاطر، ويقوم هو بإرسال الصور التي يراها بعينه المجردة، مع كمية هائلة من الرسائل التي تعطي معلومات عن حجم الأسلحة، ومكان وجودها ومواقعها، وأنواع الحراسات المتخذة، والمسافات التي تفصلها عن الشارع العام والمنشآت العامة، وغيرها، ويتلقى زميله في الغواصة المعلومات ويسجلها لرؤسائه على الورق. وهكذا، فقد كان هذا الرجل هو “العين” و”الكاميرا” و”جهاز اللاسلكي البشري الآمن والسريع” الذي لم يكن لينكشف لولا المصادفة.

ويقول العلماء إن التخاطر سيكون وسيلة الاتصال بين الناس في المستقبل وليس الموبايل أو “التشات” أو حتى الكلام الشفهي. بل إن الأمر سيتعدى ذلك إلى التحرر من هيمنة الجسد وإطلاق العقل بحيث يصبح قادرا على التأثير في المادة بحيث تنجز أعمالك اليومية بفكرك، لا بيدك، فتجلس السيدة في صالون منزلها مثلا، ومن مكانها في الصالون تعطي أمرا للثلاجة بالانفتاح، وإخراج بعض اللحوم والحاجات منها، وتوضيبها، ووضعها في إناء، وإشعال الغاز، وطهي الطعام، من دون أن تتحرك هي من الصالون، وعندما تنتهي الطبخة تطلب السيدة سكبها في صحون، ثم تدخل المطبخ لنقلها إلى غرفة الطعام.

وقد يبدو هذا الكلام أشبه بالهلوسة، ولكن التجارب التي أجريت على الشاب الأمريكي ماثيو نايجل أثبتت أنه ليس كذلك، إذ إن هذا الشاب أصيب بطعنات في عنقه، ما أدى إلى إصابته بالشلل الكامل، ومع ذلك فإنه يستطيع الآن، عن طريق تنشيط ملكاته الفكرية، تشغيل الكمبيوتر، وفتح بريده الألكتروني، وإنارة الضوء وإطفائه، وتغيير قنوات التلفزيون، وغير ذلك من الأعمال بالتركيز الذهني، من دون أن يتحرك من مكانه. بل إن المشلول صار بإمكانه العيش بصورة طبيعية من دون أن يضطر لاستخدام يديه ورجليه. ويقول علماء الأعصاب إنهم وجدوا طرقا جديدة لعمل الدماغ بحيث يتحول التفكير إلى قوة تؤثر في المادة. وربنا يستر من الآتي.

[email protected]