الاوربيون باغلبيتهم لا يريدون الارتباط بتركيا، وفي الحقيقة فان بنيتهم الحفاظ على ثقافتهم، وقال الفرنسيون ذلك في التاسع والعشرين من ايار من خلال رفضهم اتحاد اوربي بلا حدود، واكدوه ايضا في الاستطلاعات، فقد جاء في الاستطلاع الذي اجرته مؤسسة (سوفر) ان 42% مقابل 2% يعتقدون بان بروكسل تهدد هويتهم اكثر مما تحميها او تحافظ عليها وليس ثمة ما هو اوضح من ذلك، ولهذا السبب فان الارتباط بانقرة وهو الذي فرضته دول الاتحاد الاوربي الـ (25) هو اهانة لليدمقراطية. تن الاتحاد الاوربي يمضي الى حتفه عندما ينفر الاستماع الى الناهبين وتحليل اليقظة الوطنية المرصودة في الدول الاعضاء كرد فعل على العولمة. ويشير الفكر التطبيقي الى ان السوق الحرة تتغلب على هذه الازمة الوجودية. وكان اليسار الفرنسي قد التزم بخطاب مشابه في التسعينات من خلال التأكيد على ان اعمال العمف قد تختفي من المدن تحت تأثير الانتعاش الاقتصادي وخلق الوظائف، وتلك سذاجة اعترف بها ليونيل جوسبان في عام 2002.
ومرة اخرى تصطدم ملائكية القادة بذكاء الكواطنين، اذ بدعوة النخب تركيا للانضمام الى الاتحاد بهدف تحقيق المكاسب من ذلك فانها تامل بتفادي صدام الحضارات الذي تلوح بتهديده، ولكن من يضمن لهذه النخب استعداد تركيا باغلبيتها المسلمة (99%) للتخلي عن هويتها؟ يقول بول بوبار احد اعضاء الادارة البابوية بهذا الصدد: " في تركيا ليس هناك حرية دينية، ويعتبر المسيحيون مواطنين من الدرجة الثانية".
فمن يجرؤ على قول هذه الحقائق عن الديانات المنبوذة والاقليات المضطهدة؟ لقد حاولت فيينا التي استطاعت مقاومة التوسع العثماني في القرنين السادس عشر والسابع عشر ان تجعل من نفسها المدافع عن الراي العام وطالبت لتركيا بشراكه خاصة وليس انضمام كامل ولكن لم ي\قف أي بلد لنجدة النمسا الشجاعة التي كان عليها الاستسلام امام تركيا الاميبريالية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية.
لقد خاب امل الرعية المحكومة لكونها محتقرة بهاذ القدر، وهذا ما اكده استطلاع (سوفر) الذي وصف خيبتهم الكبيرة، ابتداء من استطلاع الفرنسيين ازاء هذا الاتحاد المستعد لترخيص حضارته الخاصة، واليوم فان الامر بيد الشعب نفسه وهو الكفيل لانقاذ اوربا وتاريخها كما انه الوحيد الذي يجرؤ على الدفاع عما بقي من الضمير الاوربي.
هل تستطيع اوربا اليوم فرض قيمها على تركيا؟ لا يبدو ذلك ممكنا، فالاتحاد الاوربي في الحقيقة يبدو غير قادر على مطالبة رئيس الوزراء التركي (رجب طيب اردوغان) بالاعتراف بقبرص، العضو في الاتحاد الاوربي والاعتراف بارتكاب تركيا الابادة الجماعية بحق الارمنيين قبل بدء المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا الى الاتحاد، وهي شروط وضعها البرلمان الاوربي في المقدمة حدديثا، ويضاف هذا النكوص الى سخرية اردوغان الذي يعتبر الاتحاد الاوربي (نادي مسيحي) دون ان يحرؤ احد على تذكيره بان بلده (تركيا) ينتمي الى منظمة المؤتمر الاسلامي (النادي الاسلامي).
واذا قلنا في هذا الاطار انهم ليسوا اوربيون، فليرحلوا فمن يقول لك بان كفة هذا الكل ستكون هي المرجحة في الغد؟ على حد قول جاك شيراك غير ان هذا الشك يناسب اوربا فقط، فمن يستطيع ان يضمن تخلي تركيا الاوربية عن الاسلام، حتى المعتدل فيه؟ وهل سيرغم تهديد النزعة التعصبية التي تحوم حول دول المغرب بوجه خا، على ادخال المغرب والجزائر او تونس الى حظيرة الاتحاد الاوربي؟
وفي الحقيقة يوجد مثل خهذا السحر الذي يمارسه الاسلام ودعوته التبشيرية على القادة الغربيين ابتداء من جاك شيراك ودومينيك دوفيليان. اللذان لم تتوقف رغبتهما بفتح اوربا لتأثيره.
ولكن ما يعتقدان انه الثمن المدفوع في مقابل هدوئها يجازف في تشويه طبيعة اوربا الاوربية ويعجل في بلقنتها. لقد تصدت في السابق عمليات العزل والحجر في الدول التي تشهد هجرة شديدة من قبل المسلمين مثل فرنسا، والناس يرون ذلك، ويتحدثون به وينشرونه عبثاً، ان القادة لا يصغون الا الى من يصطف معهم، وهذا امر حقيقي، فعندما صرح جاك شيراك ان من الضروري جدا الاستماع الى كل الفرنسيين بعد التظاهرات الاجتماعية، لا يمكن الا الاسف على تصويتهم في التاسع والعشرين من ايار الذي اعقب تصويتهم في الحادي والعشرين من نيسان عام 2002، قد تم تجاهله في القضية التركية، وحتى البرلمان، لم يقل كلمته قبل بدء المفاوضات وكان الفرنسيون قد دعبوا في الاسابيع الماضية مرة اخرى الى مواكب نقابية تقليدية تمثل الوظائف الحكومية، غير ان تلك التظاهرات لم تقدم الا جزءا من القلق الذي يشعر منه المجتمع، والبطالة ليست اقل تلك المشاكل، فهي ليست المشكلة الوحيدة، اذ يكفي في الحقيقة الاستماع الى الفرنسيين، وفي تعليق لمجموعة العمل في المفوضية الاوربية كشفته صحيفة لوفيغارو الفرنسية جاء، من غير المجدي تطبيق نظام (الكوتا) على الحجرة وفقا للوظائف المتاحة في فرنسا، الان الاحتياط الفعلا والنشط كموجود اصر في البلد الذي يضم 10% من العاطلين عن العمل والكثير جدا من الذين هم في عمر ما قبل التقاعد، وهذا الاستنتاج يؤكد على ان جميع الخبراء لم يتخلوا عن التفكير السليم.