الجمعة:09. 12. 2005

فنجان قهوة
أبو خلدون


المرض ابتلاء، والابتلاء نعمة. وعندما أصيب الشاعر بدر شاكر السياب بقروح مؤلمة ومتخثرة في جانبه الأيمن كتب قصيدة يحمد فيها الله على ابتلائه، ويقول: ldquo;لك الحمد، إن البلايا عطاء/ وإن عطاياك بعض النعمrdquo;، ولكنه كان يقول لعواده: ldquo;إن المريض لا يحيا الحياة، وإنما يمرضهاrdquo;.

والناس تؤثر الصحة والسلامة، والغريب أن كل شعوب العالم، بمختلف ثقافاتها، تقرن بين الطبيب والمرض وليس بينه وبين الشفاء، فالغربيون ينصحون مواطنيهم ldquo;بإبقاء الطبيب خارج حياتهمrdquo; بأكل تفاحة في اليوم، أما الشرقيون فإنهم يتمنون لمحبيهم ألا يروا وجه طبيب.

والمقصود هنا بالطبع الطبيب على الطريقة الأمريكية، أو الأطباء الذين تخلقوا بالأدبيات الأمريكية. فالأخطاء في مستشفيات العم سام أكثر منها في أي مكان آخر في العالم. والطبيب في الغرب وليس كل الأطباء طبعاً يبتسم للمريض مثل الأطباء عندنا، مع فارق هو: إنه يبتسم لدولارات المريض وليس له. وعندما يتحدث أخصائي العيون السوري معتز العكاري عن الارتفاع المذهل في تكاليف العلاج في الولايات المتحدة وأوروبا حيث يتقاضى الطبيب الأخصائي ما يزيد على 150 دولارا عن الزيارة الواحدة في مقابل ستة دولارات للأخصائي في سوريا، يقول: ldquo;لو دفع لي المريض هذا المبلغ، فإنني سأغلق باب عيادتي وأظل أحدثه وأجيب عن استفساراته عن مرضه، حتى أفرغ كل ما درسته في كلية الطب أمامهrdquo;.

وعندنا جيل من الأطباء من شباب الإمارات يفيضون سماحة وإنسانية، ويقبلون على عملهم بحماسة وتواضع، ويستقبلون المريض بابتسامة تخفف عنه الألم قبل العلاج، وأخص بالذكر الدكتورة سلمى سعيد حارب التي أعطت، هي وابناء جيلها من مواطنينا، مهنة الطب وجهاً إنسانياً حقيقياً.

والروائي الأمريكي سومرست موم يقول إن آلام الإنسانية مرسومة على وجوه المرضى، ومع ذلك فإنه هجر الطب واتجه للأدب. وهو ما فعله الدكتور مصطفى محمود وسهيل إدريس، والدكتور ناجي ترك الطب للشعر، أما الدكتور محجوب فقد ترك الطب للسياسة، فقد كان يحلم برئاسة الوزارة السودانية، ولكنه مات قبل أن يحقق هذا الحلم.

ولم يكن الدكتور محجوب مشهورا كطبيب بقدر شهرته ببراغيث عيادته التي كتب أمير الشعراء أحمد شوقي عنها قصيدة طريفة قال فيها إنها تستقبل المريض عند الباب، كما كان الدكتور محجوب مشهورا بحصانه ldquo;مكسوينيrdquo; الذي رثاه حافظ ابراهيم بقصيدة قال فيها إنه مات من الجوع، وبتفخيمه لحرف القاف حتى يكاد يحول كلمة ldquo;أزيَّكrdquo; وrdquo;أهrdquo; إلى ldquo;قزّيكrdquo; وrdquo;قاهrdquo;، وقد داعبه شوقي بقصيدة مطولة جعل قافيتها حرف القاف، وكل كلمة من كلماتها تحتوي على قاف أو أكثر، مطلعها: ldquo;يمينا بالعتاق وبالعناقrdquo;.

وكان في بغداد في العصر العباسي طبيب اسمه نعمان لا ينجح مريض على يديه، فقال فيه أحد الشعراء: ldquo;أقول لنعمان وقد ساق طبه/ نفوس نفيسات إلى باطن الأرض/أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا/ حنانيك بعض الشر أهون من بعضrdquo;.

ومثله طبيب اسمه عيسى بن نوح قال فيه الشاعر كشاجم ldquo;عيسى الطبيب ترفق / فأنت طوفان نوح/يأبى علاجك إلا / فراق جسم لروحrdquo;. أما الشاعر الخريمي فإنه يقول إن الله يشفي المريض، والطبيب يقبض الثمن، ويضيف: ldquo;يمنيني الطبيب شفاء عيني / وهل غير الإله لها طبيبrdquo;؟