الإتحاد: الأحد: 10 . 07 . 2005
يستحيل على من عايش هزيمة يونيو 1967 من جيلنا أن ينساها، فقد كانت "واترلو" زماننا! "إن هزيمة 1967 كانت هي الشرخ الأعظم في شرعية معظم الأنظمة التقدمية. صحيح أن الجماهير العربية ظلت على تأييدها والتفافها حول عبد الناصر حتى آخر يوم في حياته. ولكن الجماهير العربية - وخاصة في مصر - بدأت تشك في الصيغة السياسية التي حرمتها من المشاركة والمساءلة والمحاسبة". كان عبد الناصر نابليون العرب، وكان تأثيره على الجماهير العربية أقوى وأعمق من تأثير حكامها المحليين، وكانت قطاعات هائلة من عامة العرب وخاصتهم معه، مهما كانت نتائج المعارك التي يخوضها.
دار باستمرار جدل مطول حول أسباب الهزيمة وفشل عبد الناصر. يقول الكثير من أنصاره: كان الرئيس عملاقاً ولكنه فشل في إقامة مؤسسات ديمقراطية، كما أنه لم يبذل الاستعداد الكافي لتلافي هزيمة يونيو. ويقول د. محمد الأطرش: لقد توفى الرئيس عبد الناصر قبل أوانه، توفى في مرحلة نضجه. ولعل من المعقول القول إنه لو قدر له أن يعيش فترة أطول لكان من الممكن أن يعمل على الاستفادة من التجربة في حقل العمل الديمقراطي كما فعل في حقل العمل العسكري". ولكن هذا مشكوك فيه تماما، فقد كان الرجل ابن جيله ومرحلته على الأرجح!
ويتساءل الباحث والصحافي عادل حسين, لماذا صفيت الناصرية بهذه السهولة وانهارت بعد هزيمة يونيو؟ ويرى بين الأسباب "أثر المال النفطي"، و"الاختلال الفكري والتنظيمي في النسق الناصري"، ثم يضيف في تحليل مبتكر: وإذا كان بعضنا يتصور أنه بدون هذين العاملين كان لا بد وأن تنهزم الناصرية بسبب نواقصها البنائية، فإننا نقول لهم: حسناً، كنتم تتوقعون موت الناصرية بأزمة قلبية، ولكن ما حدث فعلاً أنها انتهت في حادث سيارة. وبالتالي فالوفاة في حد ذاتها لا تثبت صحة تحليلاتكم.
كانت لهزيمة 5 يونيو تأثيرات هائلة على مجمل العالم العربي، ومن هذا العالم بالطبع دول الخليج والجزيرة! فقد انحسر التيار القومي وتزايد نمو التيار الديني وانتصرت مجموعة الدول المحافظة على المجموعة الثورية والجمهورية. ومع خسارة مصر الناصرية دورها الريادي في هذه المنطقة تنامى تأثر النخبة الخليجية بالجماعات الإسلامية من جانب وبالثقافة الأوروبية الأميركية من جانب ثان.
وكان التيار الديني قد ظهر في المنطقة بعد عام 1950 في صفوف بعض النخب الاجتماعية التي تأثرت بجماعة الاخوان المسلمين في مصر، وشكلت جمعيات وحركات إسلامية طابعها العمل الاجتماعي والخيري، ولا سيما في الكويت والبحرين، "فلم تهتم كثيراً بالقضايا السياسية، وافتقرت إلى البرامج الإسلامية، والحضور الشعبي بسبب طغيان التيار القومي في تلك المرحلة، واعتماد الأسر الحاكمة على الولاء القبلي للتخفيف في نمو التيار الإسلامي. وبالفعل نجحت الأسرة الحاكمة في الكويت في إعطاء قدر من الانفتاح الديمقراطي، وترشيد الحركة الأصولية...
وفي البحرين ظهرت ثلاث جمعيات إسلامية بعد عام 1967 بسنة أو سنتين، وهي "جمعية الشباب المسلم" و"جمعية التوعية الإسلامية" و"جمعية الإرشاد الإسلامي". ويقول د. الزبيدي إن السياسة السعودية في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، اعتمدت الخطاب الإسلامي وتأكيد الشرعية الدينية في مواجهة قوى المعارضة في الداخل، والمد الناصري في الخارج، وقدمت الدعم للحركات الإسلامية في الدول العربية لمواجهة التيار القومي المتنامي في الخمسينيات والستينيات. ويضيف: "وقد أثمرت السياسة السعودية في دعم التيار الإسلامي في مواجهة التيار القومي في تأسيس الجامعة الإسلامية في مطلع عام 1960 لتكون مركزاً إسلامياً ينافس جامعة الأزهر بمصر. وحينما تسلم فيصل السلطة,اتخذ موقفاً متشدداً من الاشتراكية والشيوعية والقومية وشهد عهده تنافساً مع جمال عبد الناصر.
وكان النشاط اليساري والشيوعي قد بدأ في المنطقة خلال نفس الفترة، أي منذ عام 1954. وقد شهدت البحرين بعد أحداث نكسة 1967 بروز تنظيمات ماركسية - لينينية، تحول أكثرها من الانتماء إلى التيار القومي إلى الالتزام بالماركسية - اللينينية. وفي الكويت أدى الانشقاق الذي أصاب حركة القوميين العرب بعد أحداث نكسة يونيو1967 إلى ظهور جناح من فرع الحركة في الكويت، "شكل تنظيماً متعاطفاً مع الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي المحتل، وتبنى هذا الجناح الماركسية - اللينينية، إلا أنه لم يلق تجاوباً شعبياً مع أفكاره الجديدة. وعلى العموم، لم يستطع التيار الماركسي أن يرسخ مبادئه وأفكاره في المجتمع الخليجي، يقول الباحث، "نظراً للطبيعة القبلية للسكان، ومعتقداتهم الإسلامية، وعلاقاتهم الاجتماعية، ولم تظهر سوى بعض الأنشطة في صفوف العمال في منشآت النفط في المنطقة الشرقية في العربية السعودية، والبحرين وقطر، نتيجة شعورهم بحالة الفقر والاستغلال.
اتفقنا وسط آلام ومرارة تلك الهزيمة أن نخفف وقع الصدمة فاعتبرناها نكسة. ولكن هل تعمقنا في دروسها وأسبابها؟ كلا على الاطلاق. واجهنا ذاك التحدي بالمزيد من الانقلابات والأنظمة التسلطية في أكثر من دولة عربية، واستبدلنا أحلامنا القومية بالأصولية الإسلامية، تطرف ديني توّج في نهاية الأمر بما فعله بن لادن والزرقاوي.
كانت إسرائيل قد انتصرت على الجيوش العربية انتصاراً كاسحاً، ووقع الإسرائيليون بدورهم، ضحايا سكرة الانتصار. أحد الإسرائيليين ممن عايش حرب يونيو 1967، كتب في صحيفة "هآرتس"يوم 5/6/2005 ما يلي: حرب يونيو التي مر عليها 38 عاماً تقسم حياتي - مثل حياة الدولة - حسب التناسب التالي: ثلث حياتي قبل الحرب وثلثان من بعدها. سيكون من الصحيح القول إنني أحاول إنقاذ نفسي من الخطأ الفظيع الذي دفعنا للبقاء في المناطق التي احتللناها في الحرب بدلاً من العودة إلى ما كنا عليه بعد إحراز النصر. كل ما أحاول أن أفعله خلال هذه الحقبة هو أن أضمن عيشة أحفادي في هذه البلاد، كما عشت أنا خلال العقد الأجمل والأهدأ من 1957 حتى 1967... في الستينيات توقعوا أن تصبح إسرائيل من الدول الأكثر تطوراً في العالم خلال ربع قرن ولكنهم لم يأخذوا بالحسبان إمكانيات حدوث حرب يونيو والعمى الذي أصابنا إثرها. سمعت بين طرق الجولان وسيناء عن احتلال القدس، ففرحت. ثلثا حياتي مر وأنا أحاول العودة إلى إسرائيل التي استُلبت مني في يونيو 1967. علينا أن نقطع علاقاتنا الصامتة التي لا نتحدث عنها، مع المناطق التي نحتفظ بها. ترى...من كسب حرب يونيو 1967 حقاً، ومن خسرها؟
التعليقات