الإتحاد: الثلاثاء: 19. 07 . 2005

في كتابه الممتع يشرح الباحث بامتياز بدر عبد الملك، كيف عبّر الإنسان عن نفسه خارج الورق من خلال علاقة الإنسان بالجدار -عنوان الكتاب-. ومضمون الكتاب يثير موضوعاً مهماً على المستوى الشعبي، حين يقرر أي فرد أن يستخدم ما يتوفر في المجتمع - غير الورق - ليخبر الآخرين عما يجول في نفسه تجاه السلطة أو المجتمع. ويذكر أحد الأصدقاء وهو من تونس، أنه دائماً يحرص على "زيارة" الحمامات العامة في أي بلد، خاصة في المطارات ليتعرف على درجة "الحرية" المتاحة في المجتمع مما يكتب على الجدران وأبواب الحمامات، فإذا ما كانت الشعارات سياسية، استنتج أنه في بلد استبدادي فينتبه لما يقول! وإذا كانت الكتابات جنسية، تزداد درجة اطمئنانه... وهكذا.
وبشكل عام، غالباً ما يلجأ الأفراد إلى ما يتوفر من أدوات صالحة للكتابة القصيرة أو المعبّرة بشكل موجز لشرح وجهة نظرهم سخطاً واستياء أو رضى وقبولا. فثقوب الجدران في بعض المناطق اللبنانية تبين لمن يشاهدها درجة العنف الذي كان سائداً ابان الحرب الأهلية. ويطلّع الزائر على درجة هيمنة التيار الديني في أي بلد من خلال الملصقات والكتابات على الجسور وأعمدتها، واليافطات المتناثرة في الشوارع، والملصقات في المؤسسات الرسمية والتي تدل بشكل خاص على مدى خضوع المسؤول للتيار الديني. ففي الكويت مثلاً نجد يافطات تطلب، بل تأمرك بذكر الله!
ومما يذكره الباحث عبد الملك في كتابه الممتع كتابة -أو رسم- الإنسان الأول للحيوانات والأدوات على جدران الكهوف مثل تلك التي وجدت في فرنسا وليبيا. كذلك الأمر بالنسبة لملحمة جلجامش التي دوّنت على جدار طيني، والفراعنة أيضاً دوّنوا على جدران الأهرامات من الداخل برغم وجود ورق البردى لديهم. ومن وسائل التعبير في الكتابة خارج الورق، ملصقات الوفيات والعزاء في لبنان وسوريا وتونس وأحياناً ملصقات الأفراح الأمر الذي يدل على إما صعوبة الوضع المادي لصاحب الملصق، أو بحكم العادة. وفي الكويت تنتشر إعلانات القماش أو الخشب لدعوات حفل عشاء بمناسبة الزواج أو التخرج، أو شكر لأحد النواب لتوسطه إنهاء معاملة حكومية "صعبة"، أو لتوسطه إرسال صاحب اللوحة إلى الخارج للعلاج! واللطيف أن اللوحات الخشبية غالباً ما تسد النظر عن زوايا الشوارع فتحصل حوادث مرورية مروعة.
وهناك أيضاً يافطات العلاج بالطب الإسلامي من قراءة قرآن أو استخراج جن وشياطين والعياذ بالله! أما ما يكتبه الشباب على سياراتهم فيضفي على الموضوع شيئا من المرح.
وأحياناً تتحول السيارة إلى إعلان متجول لأحد المرشحين أو صورة لشهيد. وأذكر مرة أنني قرأت على احدى السيارات الشبابية دعوة للاقتراب من مؤخرة السيارة أكثر لقراءة ما كتب بحروف صغيرة, وحين اقتربت... كانت شتيمة! وقلت في نفسي: أستاهل!
وكما تعددت وسائل التعبير خارج الورق، تعددت أيضاً الأدوات المستخدمة للكتابة, كالفحم في المناطق الفقيرة، إلى فرشاة الأصباغ، إلى البخاخ الملون. ولعل الكتابة خارج الورق، خاصة على الجدران، كانت خير عون للمعارضة السياسية ضد أنظمة الحكم الديكتاتورية، والتي غالباً ما تؤذي نظام الحكم وتدفعه لإنفاق الكثير من الأموال لمحو هذه الكتابات، وأحياناً تخصيص فرق عسكرية للمراقبة ولاعتقال من يقومون بذلك. وكذلك الأمر مع كتابات الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي والتي بلغت من فعاليتها قيام سلطة الاحتلال بوضع غرامات مالية باهظة أو إجبار الفلسطينيين على محو تلك الشعارات بأنفسهم.
لكن، كل هذا النشاط الإنساني ينقصه التوفيق كما يقول الباحث البحريني بدر عبد الملك.