الجمعة: 29 . 07 . 2005

في كل الصور التي اعقبت حوادث التفجير في لبنان يظهر كلب بوليسي يبحث مع يره من البشر عن أدلة يمكن ان تفيد في معرفة الحقيقة،يكد هذا الكلب ويتعب ومع ذلك يكتشف هو قبل غيره ان جهوده لم تثمر والدليل اضطراره دائما الى التوجه الى مكان انفجار جديد فوق ركام حار واشلاء متناثرة.
الصدفة وحدها قادتني الى مكان الانفجار الاخير الذي حصل قرب المقهى الذي كنت اجلس فيه عند شارع مونو،خرجت مع غيري من المندهشين لنحاصر باجراءات امنية ليتها كانت قبل الانفجار: العبور ممنوع،التوقف ممنوع،الحركة ممنوعة... ماشي فكل مواطن خفير،"اخذنا زاوية" كما يقولون باللبناني انتظارا لانتهاء الاجراءات لنفاجأ بالكلب صاحب الصورة الشهيرة يأخذ زاوية معنا مستبدلا بقسمات وجهه الشرسة قسمات اخرى تدل على الاشمئزاز واللامبالاة.
ولان شر البلية ما يضحك،لم اتمالك نفسي من المزاح عندما صادفت لحظات لم يعد فيها في الزاوية غير داعيكم والكلب، قلت لنفسي بصوت عال:الله يستر،حتى الكلب ما عنده خلق يشتغل سيشتغل بي الآن. لكن المفاجأة كانت ان الحيوان نطق بصوت مبحوح ورد علي : واخيرا وجدت من اتفاهم معه.
كلب يتكلم؟ اعتقدت لوهلة انها الكاميرا الخفية او انني ما زلت اقرأ كتاب الزميل جعفر رجب "تيس في ستار بوكس"... لكنها لحظات سريعة سرعان ما افهمني الكلب خلالها انه تمنى من كثرة غيظه ان يمنحه الله القدرة على الكلام لفترة قصيرة يكشف فيها ما رآه.
هات ما عندك يا اخ الكلاب... بادرته وانا غير مصدق،وتابعت:"ماذا رأيت في التحقيقات"؟ اجاب: تحقيق ايه اللي انت جاي تقول عليه! حصلت الانفجارات، ذهبنا مع ثلاثة من رفاقنا وشعورنا اننا ذهبنا لنتصور فقط او من باب رفع العتب. اذ كلما اقتربنا من صفيحة معدنية نجد يدا تبعدها الى قسطل مكسور للمياه وتغسلها فنشم الكلور بدل البارود، وكلما اردنا تفحص هدف نعتقد انه مهم يأخذوننا الى هدف آخر ويحاولون اقناعنا انه اهم، وكلما وقفنا فوق ركام حار لنبحث داخله نجد آلية صغيرة تزيل الركام وتفتح الطريق لان "الشباب"لا يستطيعون السير ع"السخن"، وكلما اردنا "تمشيط" سيارة مفجرة نجد آلية كبيرة تسحبها الى مكان آخر، وكلما اردنا شم حذاء شخص وجدناه اخرج بطاقة لمن يمسك الرسن فيحيدنا عنه، والانكى من ذلك كله اننا حين اشتبهنا بوجود احياء تحت عمود اسمنت ساقط واخذنا ننبح فوجئنا بيد تردنا بحجة انه لا يجوز العبث بمسرح الجريمة... حلها يا بني آدم اذا فيك تحلها، واشرح لي كيف تفكرون وكيف تخططون؟
تجاهلت سؤاله لشدة ما بهرني من دون ان اسقط من حسابي ان الكلب قد يكون مسيسا وداخلا في المؤامرة اياها لاضعاف صمود الجبهة الشرقية واسقاط المنطقة في شرق اوسطية ظالمة ترزح تحت عولمة متوحشة تهدف اساسا لضرب خصائصنا الثقافية، فنحن نقبل المزاح في كل شيء الا في قضية خصائصنا.
سألته اذا كان حاول ان يعبر بطريقة ما عما رآه وعما يجول في خاطره؟ اجاب: ليست قضية يجول في الخاطر او لا يجول فنحن محترفون نعمل وفق معطيات ودلائل تدربنا في ارقى الدول على التعامل معها وكلفنا خزينتكم الشيء الكثير، لكن المؤلم في الموضوع انني عندما الفت الانتباه مثلا الى قضية مهمة اسمع احدهم يقول: "ليوقف احد نباح هذا الكلب الاخو الش..."، تفضل صرت انا اخو الش ... لانني اتكلم ضمن اختصاصي وغيري من بني البشر بقي اخو الشريفة مع انه ينبح وفي خارج اختصاصه.
يا صاحبي يا كلب لا تصبح مثلنا منظّرا متفلسفا،اخبرني مباشرة ماذا استنتجت من كل التحقيقات التي شاركت فيها وانا سأتصرف؟ اجابني بحماسة غير
طبيعية:" عو عو عو،عو،عو عو"... انقضت الفترة التي طلبها للكلام في ما يبدو. احد الرجال المصاحبين له قدم مسرعا يريد اخذه الى المكان الذي سمح للصحافيين بالدخول اليه من اجل التقاط صورة له، لكنه بقي ينبح في اتجاهي كأنه يكمل "سالفته" من دون ان يدري ان وقته انتهى ومرافقه يصرخ فيه: "يا حمار لماذا تنبح على الرجل... لاعلاقة له بما جرى فقد كان في المقهى". سمع الكلب لفظة حمار، نظر فجأة الى صاحبه، ثم نظر الي، وأستسلم لعدسات المصورين مشمئزا محبطا كعادته.