فنجان قهوة
أبو خلدون


هل سألت نفسك لماذا تتفاعل مع البطل في فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني بحيث تحس أن ما يحدث له حقيقة وليس تمثيلا، فتتسارع دقات قلبك إذا تعرض لموقف خطر، وترتاح وتشعر بالسعادة إذا تجاوز موقفا صعبا، رغم أنك واثق تماما ان ما تراه أمامك على الشاشة مجرد ضرب من الخيال وليس واقعاً؟

العلماء يقولون إن القضية ليست عرضية، كما يقول ldquo;أبو عنترrdquo;، وإنما تتعلق بعمل رئيسي من أعمال الدماغ البشري، فأنت عندما تشاهد حادث سير في حياتك الواقعية يكون الجانب الأيسر من دماغك هو الأكثر نشاطا، وعندما تشاهد فيلم فيديو عن الحادث نفسه ينتقل مركز العمل من الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن من دماغك، والجانب الأيسر هو مركز التفكير المنطقي في الدماغ، وفي العادة، فإن المعلومات التي تصل إلى هذا الجانب تخضع للبحث والتحليل، ويستبعد الدماغ ما لا ينسجم مع المنطق منها، ويحتفظ بما هو منطقي فقط، أما الجانب الأيمن فإنه لا يقوم بأية عملية تحليل، وإنما يستقبل المعلومات ldquo;خاماrdquo; كما هي، ويحتفظ بها، ولذلك فإن ردود الفعل على ما يستقبله الجانب الأيسر يتسم بالعقلانية والمنطق، وردود الفعل على ما يستقبله الجانب الأيمن تتسم بالعاطفة.

وهنالك تحول آخر يحدث في الدماغ عندما تجلس أمام التلفزيون لمتابعة مسلسل، أو مشاهدة فيلم سينمائي هو: إن نشاط الأجزاء العليا من الدماغ تتضاءل، ويزداد نشاط الأقسام السفلية التي يطلق عليها اسم ldquo;النظام الحوفيrdquo;، والنظام الحوفي يطلق عليه لقب ldquo;عقل الزواحفrdquo; لأنه مختص بالنشاط البدائي للدماغ، وهو لا يستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال، ويتعامل مع الأشياء التي تبدو حقيقية له باعتبارها حقائق، وهكذا فإنه رغم أنك تعرف تماما ان ما تشاهده على الشاشة أمامك هو مجرد تمثيل، فإن عقلك اللاواعي يتعامل معه وكأنه واقع، فتزداد دقات قلبك عندما تشاهد البطل في موقف خطر، كما يحدث عندما تشاهد شخصا يتعرض للخطر في حياتك الواقعية، ولا أزال أذكر أننا عندما كنا صغارا، كنا نختبئ تحت المقاعد عندما نشاهد سيارة أو قطارا على شاشة السينما يتجه نحونا، ونتصور أنه سيدهسنا، رغم أننا نعرف تماما، على المستوى الشعوري، ان ذلك لن يحدث. والعمليات التي تجري على المستوى اللاشعوري أكبر تأثيرا بكثير من غيرها لأنها تعمل على مستوى اللاشعور، في أعمق أعماق الاستجابات الإنسانية.

والتأثير الذي تمارسه المسلسلات والأفلام السينمائية يمكن ان تمارس البرامج السياسية تأثيرا مماثلا له. وتحاول إدارة الرئيس بوش حاليا استغلال ذلك لحشد الشعب الأمريكي وراءها، مستفيدة من الأبحاث التي أجرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في السيطرة على الدماغ، ويبدو أنها حققت نجاحا كبيرا في ذلك، وها إننا نرى أن الأمريكيين الذين عُرفوا بتمسكهم الشديد بالحرية يضحون بحريتهم طائعين مختارين لمجرد أن بوش يقول لهم إنه يحاول حمايتهم من خطر غير موجود في الواقع إلا بمقدار وجود الخطر الذي يشكله ظهور قطار يتجه نحو المشاهدين في صالة للسينما، ولا يملك الواحد منا إلا أن يتساءل: كيف يتساهل الشعب الأمريكي الذي عرف بتمسكه الشديد بحريته، مع رئيس اعترف رسميا بأنه انتهك الدستور الأمريكي، ووقع أوامر بفرض رقابة على العديد من الأمريكيين العاديين، بما في ذلك مراقبة هواتفهم واتصالاتهم وكل ما يتعلق بهم، وكيف يتساهل هذا الشعب مع رئيس أعلن أنه بنى سياسته في غزو العراق على الأكاذيب، رغم أن هذا الشعب نفسه طرد من الحكم رئيسا يعتبر من أكثر الرؤساء الأمريكيين كفاءة وثقافة لمجرد أنه كذب عندما قال انه لم يكن يعلم بفضيحة ووترجيت من قبل.

وفي شبكات التلفزيون الأمريكية والصحف ومحطات الراديو قائمة بما يجب بثه ونشره، وما لا يجب، والطريقة التي ينبغي أن يبث وينشر فيها، وهذه القائمة تستند إلى أحدث الدراسات للسيطرة على اتجاهات الجمهور، وكانت النتيجة أن تحول الشعب الأمريكي بأسره إلى شعب من المخدرين، والذين يستعيدون وعيهم بين الحين والآخر يشعرون بأنه من الأفشل لهم العودة إلى حالة الخدر.