يورجين ستارك

لقد طرأ على النظام النقدي والمالي الدولي قدر هائل من التغيير طيلة العقود الأخيرة. والحقيقة أن التوسع السريع في تحويلات رأس المال عبر الحدود، والتجديد المالي المستمر، والأسواق المالية المتعمقة، كل ذلك يفرض المزيد من التحديات ليس فقط على صانعي السياسات الوطنية، بل وأيضاً على المؤسسات المالية الدولية. ولقد كان ذلك صادقاً على نحو خاص مع صندوق النقد الدولي في سعيه إلى خدمة أعضائه على مستوى العالم، كما أثار ذلك مناقشة على قدر عظيم من الأهمية بشأن التوجه الاستراتيجي للصندوق.

إن الاستعراض الاستراتيجي الذي يجريه صندوق النقد الدولي حالياً لم يبدأ من الصفر. كانت عملية الإصلاح قد بدأت في نهاية تسعينيات القرن العشرين، ولقد ظلت مستمرة تحت قيادة المدير الإداري السابق للصندوق هورست كوهلر بتقديم عدد من المبادرات المهمة. والآن أصبح من الضروري أن نحرص على تنفيذ هذه المبادرات، وبصورة خاصة الجهود الرامية إلى تعزيز وترسيخ الوظيفة الإشرافية لصندوق النقد الدولي وما يسمى بـِ quot;هيكل الانتفاع الاستثنائيquot;.

على سبيل المثال، تقديم المعايير والقواعد، وإعداد التقارير عن مراعاة هذه المعايير والقواعد (ROSCrsquo;s)، وبرامج تقييم القطاع المالي (FSAPrsquo;s)، والزيادة الناتجة في شفافية الصندوق، كل ذلك قد يساهم في تحسين الإشراف الثنائي، والإقليمي، والمتعدد. وما زالت سياسة الانتفاع الاستثنائي، التي تسعى إلى تعزيز التوقعات الخاصة بسياسة الصندوق فيما يتصل بالإقراض وحماية موقفه المالي، في انتظار إخضاعها لأول اختبار حقيقي.

لكن العالم يحتاج إلى النظر إلى ما هو أبعد من هذه القضايا. فإدارة صندوق النقد الدولي تتقاسم العديد من الاعتبارات الاستراتيجية التي تطرح بصورة متكررة من قِـبَل البنك الفيدرالي الألماني، الذي أكد أن الصندوق لابد وأن يعمل على تحديد أنشطته على الأساسي منها فقط: ألا وهو تعزيز الاستقرار النقدي. وعلى هذا فإن دور صندوق النقد الدولي في النظام النقدي الدولي لا ينبغي أن يتجاوز استخدام أدواته الرئيسية من أجل دعم استقرار الاقتصاد الشامل: أي الإشراف وتقديم المشورة بشأن السياسة الاقتصادية.

الواقع أن هاتين الأداتين لابد وأن يكون العمل المنوط بهما مشتركاً مع استمرار الإصلاحات الداخلية لصندوق النقد الدولي. وإن زيادة التركيز التحليلي وتحسين الشفافية من خلال تقديم المشورة الشاملة والمعلومات المناسبة من حيث التوقيت الزمني، من شأنه أن يعمل على تقوية الوظيفة الإشرافية إلى حدود أبعد.

وعلى النقيض من هذا فإن صندوق النقد الدولي الذي حاول أن يعمل وكأنه حكم دولي فيما يتصل بسياسات سعر الصرف الوطنية، كان لابد وأن يواجه مصاعب لا يمكن التغلب عليها فيما يتعلق بالتنفيذ، علاوة على مشاكل ترتبط بمدى القبول الذي يتمتع به الصندوق بين دول العالم. وعلى نحو مماثل فإن وضع صندوق النقد الدولي باعتباره ضماناً للمجازفة العامة من خلال تقديم خطوط ائتمان تتجاوز الحدود العادية لحق الاستخدام والوصول، لن يكون متوافقاً لا مع مهمته المتمثلة في تقديم المساعدة المالية بشروط متأنية غير قابلة للتعديل وفقاً للمجازفة، ولا مع النظام الحالي المتمثل في إعادة تمويل ائتمان الصندوق على الأمد القصير من خلال الاحتياطيات الرسمية المحمية ضد عنصر المجازفة. والحقيقة أن صندوق النقد الدولي لا ينبغي أن يكون مستعداً لتقديم المساعدة المالية المؤقتة المحدودة إلى الدول الأعضاء إلا في حالة الأزمات الحقيقية المرتبطة بميزان المدفوعات. وبهذا يعمل على تشجيع التعديلات التي تجريها الدول الأعضاء على سياساتها بنفسها، ويؤكد للأسواق على التزامه هذا.

كما أن التحول إلى مؤسسة للتنمية لا ينسجم مع المهمة الأصلية للصندوق. فالتمويل الخاص بالتنمية لابد وأن يترك للبنك الدولي. ومن خلال تركيز المؤسستين على المزايا النسبية المحددة التي تتمتع بها كل منهما، والتي تتفق مع صلاحيات محددة بوضوح، فإن هذا من شأنه أن يمكن المؤسستين من أداء المهام الموكلة إليهما على نحو أكثر كفاءة.

والحقيقة أن تنفيذ مبادرة الإعفاء من الديون المتعددة التي تقدمت بها قمة الثمانية يمنحنا فرصة غير مسبوقة لاستكمال عملية الإعفاء من الديون بالنسبة لعدد كبير من الدول ذات الدخول المتدنية. وهذا أيضاً من شأنه أن يفتح الطريق أمام صندوق النقد الدولي للتخلص من التشتت الحالي الذي تعاني منه أنشطته في الدول ذات الدخول المتدنية، فضلاً عن تركيز جدول أعماله في المجالات الأكثر اتفاقاً مع خبراته الأساسية.

وأخيراً، فإن التمثيل الملائم وحق كل دولة من الدول الأعضاء في الإدلاء برأيها فيما يتصل بشؤون الصندوق من الشروط الأساسية لاكتساب الشرعية التي يحتاج إليها صندوق النقد الدولي كي يتمكن من الاضطلاع بدوره العالمي. ولابد وأن يتم توجيه عملية توزيع الحصص على ضوء الثقل الاقتصادي للدول الأعضاء ومدى اندماجها في الاقتصاد العالمي. ومن الضروري أن يتم تعديل الحصص بأسلوب متماسك يطبق نفس المعايير على كافة الدول الأعضاء. ولكن من أجل الإبقاء على رغبة الدول الدائنة في الإسهام في تمويل الصندوق، فلابد من إنشاء رابطة قوية بين الحصص من ناحية، وبين حقوق التصويت والقدرة على الانتفاع بموارد صندوق النقد الدولي والمساهمات المالية من ناحية أخرى.

إن قضية التمثيل تعد من العناصر المهمة التي تحكم عملية المراجعة الاستراتيجية لصندوق النقد الدولي. ولكن هذه المراجعة، فضلاً عن الإصلاحات التي من المفترض أن تعقبها، لابد وأن تكون أكثر شمولاً بحيث تحقق مصلحة الصندوق ومصالح كافة الدول الأعضاء.

يورجين ستارك يشغل حالياً منصب نائب رئيس البنك الفيدرالي الألماني، ولقد تم ترشيحه للانضمام إلى مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي في وقت لاحق من هذا الشهر.