اليوم ، غداً
سعد محيو


هل أتتكم أحاديث ldquo;نظرية المؤامرةrdquo; مؤخراً؟

يفترض ذلك. لكنها هذه المرة لا تتعلق بنا نحن العرب المتهمين منذ قرنين بالأمراض النفسية التي تلصق بهذه النظرية (من جنون الريبة إلى جنول العظمة ومن الوساوس المرضية إلى الخيالات الأكثر مرضية)، بل بالأمريكيين.

فقد بدأت تنتشر في الولايات المتحدة عشرات نظريات المؤامرة التي تطاول العديد من مجالات الحياة، لكن محركها واحد: الخوف الجماعي من ldquo;الارهاب الاسلاميrdquo; والقلق من حرب العراق.

وهكذا، خلال أسبوعين اثنين فقط صدرت ثلاثة كتب دفعة واحدة عن ldquo;نظرية المؤامرةrdquo;: ldquo;ثقافة المؤامرةrdquo; لبيتر نايت؛ ldquo;أشكال الحقد التآمريrdquo; لليونيداس دونيكيس؛ وrdquo;نظريات المؤامرةrdquo; لمارك فينستر. وهكذا أيضاً، كان قيام الإدارة الأمريكية بالتجسس على المواطنين الأمريكيين ورصد ldquo;الأشعة النوويةrdquo; التي قد تصدر من مواقع المسلمين الأمريكيين، تغذي الخوف على ومن الأمن في أمريكا، وتخلق موجة عاتية جديدة من نظريات المؤامرة. وهذا ليس فقط بين المواطنين العاديين، بل حتى أيضاً بين السياسيين والأكاديميين.

ماذا تقول نظريات المؤامرة الحديثة هذه؟

قبل الاجابة، تذكير بأن نظرية المؤامرة لا تعج كلها بالأمراض النفسية، بل هي تتضمن كذلك وجهاً آخر يجد صداه العقلاني في القانون والعمل السياسي والتاريخ.

تعريفاً، نظرية المؤامرة تتراوح بين المعاني الاتية:

حقل المعرفة الذي يطل على أحداث العالم في إطار تآمري.

مجموعة صغيرة وقوية من البشر تعمل غالباً في الخفاء لتحقيق أهدافها الخاصة، او نخبة تستخدم الإعلام والسياسة لاقناع المواطنين السلبيين بالرضوخ لرغباتها ومخططاتها.

النظرية التي تزعم أن الحدث أو سلسلة الأحداث، هي نتيجة تلاعبات سرية من جانب طرفين أو ثلاثة او مجموعة خفية. وهي غالباً ما تتحدى الفهم العام الرسمي أو غير الرسمي للأحداث.

علم النفس يعزز هذه التعريفات حين يقول إن ldquo;التآمرويةrdquo; (CONSPITRACISM) تنبع إما من جنون الاضطهاد والارتياب، او انفصام الشخصية، أو حال الانكار السايكولوجي، أو من تناذر كراهية العالم.

بيد ان القانون والتاريخ لهما موقف آخر مغاير تماماً. فالأول يعترف بوجود مئات آلاف حالات التآمر في التجارة والسياسة والرشوة والجريمة والمافيات وغيرها، وينزل بالمتآمرين عقوبات صارمة. والثاني(التاريخ) يعترف هو الآخر بوجود العديد من الأحداث في الماضي التي يمكن تفسيرها بنظرية المؤامرة: اتفاقات سايكس بيكو السرية؛ مؤامرات الانقلاب العسكري؛ اغتيال جون كينيدي وربما تسميم جمال عبدالناصر وياسر عرفات.. الخ.

الخلافات، إذاً، لا تدور حول المؤامرة ذاتها، فهي واقع موجود، بل حول نظرياتها ومدى استنادها او لا استنادها إلى معلومات علمية يمكن إثباتها.

لكن، وكما يكتشف الأمريكيون الآن، العديد من نظريات المؤامرة التي صنفت في الماضي على أنها جنون ارتياب لا أكثر ولا أقل، تثبت الآن أنها لم تكن لا جنوناً ولا ارتياباً، بل حقيقة واقعة. وهذا قبل 11 سبتمبر وغزو العراق وبعدهما أيضاً.

كيف؟