السبت:07. 01. 2006

عبدالله بن بجاد العتيبي

في تواريخ الأمم ثمة رموز سياسية وفكرية يكون عمرها الإنجازي أطول من عمرها الطبيعي، وتبقى إنجازاتها أفواها تتحدث بعظمة الرؤية وتعزف في سمع الأجيال سمفونية من الإبداع والقدرة على التحدي والنجاحmiddot;
لدبي تلك الإمارة المبهرة في دولة الإمارات العربية المتحدة قصة يجب أن تروى وإبداع سيسطره التاريخ بمداد من ذهب وإعجاب يصل حد الانبهار، لم تكن دبي يوما غنية بالنفط كمثيلاتها من الإمارات أو دول الخليج المجاورة، وكان التحدي أن تصنع نجاحا اقتصاديا مقاربا أو موازيا، لكن قادة دبي لم يرقهم هذا التحدي ولم يستعذبهم حجب أفق النجاح بمثل هذا السقف، لقد كان الطموح أكبر من الإمكانيات وكان الهدف أسمى من التحدي المطروح، فخطت دبي على طريق النهضة خطوات بهرت العالم كله وليس العالم العربي وحده، وسطرت في عهد الراحل الكبير الشيخ مكتوم بن راشد بمعاضدة إخوته تاريخا من النجاح والرقي ستظل الأجيال القادمة تدرسه وتستنير بعبره وعظاته، وتبني على ما تمّ لتبقي جذوة التقدم والنهضة مشتعلة في سماء دبي مهما تطاول الزمنmiddot;
الأحلام تمرّ بعامة الناس مرور الكرام، طيف كرى لا يلبث أن يزول مع أول شعاع نور يوقظ النائم، ولكن الأحلام لدى القادة ليست كذلك، إن الحلم حين يراود قائدا قادرا، يتحوّل بقوة الفكر والقدرة على الفعل إلى خطط عمل ومشاريع منظمة وأدوات تنفيذية ومسؤوليات موزّعة بإحكام ورقابة تتتابع وتتصحح ونقد مستمر لأي تعثر تنتجه عقبات الطريق التي لها ألف لون ولون وألف مقاس ومقاسmiddot;
لقد راود حلم ''الوحدة'' الكثير من القادة في العالم العربي، ومنيت كل التجارب الوحدوية السابقة بالفشل، حتى كان عام 1971 فكان العالم العربي على موعد مع أول اتحاد عربي ووحدة عربية حقيقية في العصر الحديث، وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان الاتفاق قد بدأ بين الزعيمين الفذين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله، وكان الشيخ مكتوم بن راشد حينها شاهدا على هذا الإنجاز وشاهدا على وضع حجر الأساس لدولة عربية حديثة وموحّدة، لقد كان التحدّي حينها كبيرا على هذا المشروع الوحدوي الفتيّ، فلم يستكن الشيخ مكتوم ولم يجلس في المدرّجات الخلفية يرقب المشهد من بعد، ولكنه انبرى بطموح شاب وعقل شيخ إلى موقع القيادة فكان أول رئيس لوزراء دولة الإمارات العربية المتحدة بعد قيام الاتحاد، ومن هناك بدأت المسيرة ووضعت اللبنات الأولى لإنجاز سيظل العرب يذكرونه طويلا، وسيقرؤونه في كتب التاريخ صفحات من الضياء ينافسون بها العالمmiddot;
حين قدمت دبي أوّل مرّة ارتسمت على وجهي علامات الدهشة، فبرغم كل ما سمعته عنها قبل أن أصلها فقد كانت الصورة غير الخبر والحقيقة غير الحكاية، لم يكن أكثر ما بهرني تلك البنايات الشامخة التي تعانق عنان السحاب في سماء دبي، لكن الذي بهرني أكثر كان ذلك الاستقطاب المثير للإعجاب لكافة أصناف البشر من شتى الأعراق والأديان، ومن مختلف الشرائح البشرية، وكافّة الاهتمامات، وغالبا لا يتجمّع المبدعون من البشر إلا في بيئة تناسب أمزجتهم المبدعة وتمنحهم القدرة على العمل والإبداع ما يعطيهم مساحات من الرضى عن أنفسهمmiddot;
كنت أتساءل مع مرور الوقت: أين تريد دبي أن تصل؟ وإلى أي مدى هذا اللهاث المحموم والحراك الصاخب نحو غدٍ أفضل ومستقبل أزهى؟ هل هذا حلم بني على شفا جرف هار أم وضع على أسس راسخة؟ هل سأفاجأ يوما باليقظة من الحلم على كابوس مزعج؟ ظلت هذه الأسئلة تراودني حتى جمعني مجلس بصديق عزيز وطرحت عليه هذه الأسئلة فقال لي: ما لا تعلمه أن الآخرين كانوا يطرحون هذه الأسئلة منذ السبعينيات الميلادية، بعضهم مغرض وبعضهم مشفق، ولكن دبي استمرت في النجاح والنهوض، وكان هذا الاستمرار أصدق جواب على كل تلك التساؤلاتmiddot;
كنت أردد دائما أن ''دبي مدينة تعيش في المستقبل''، إنها لا تشبه المدن العربية الأخرى، وخصوصا في سرعة النموّ واستقطاب الأموال والمشاريع الضخمة ورجال الأعمال والشخصيات المؤثرة دوليا، وكذلك توفير البنية التحتية في شتى المجالاتmiddot;
كان الشيخ مكتوم رحمه الله راسم هذا النجاح وراعي بذرته الأولى التي سقاها بنفسه، ثمّ قام بأعباء تفاصيلها إخوته الذين كان في مقدمتهم الشيخ محمد بن راشد الحاكم الجديد لإمارة دبي ونائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وقد خلف أخاه في كل هذه المناصب، والشيخ محمد بن راشد كان محرك إنجازات دبي وكان يتابع عن كثب كل تطوراتها وخططها ومشاريعها، وكم يتناقل الناس من القصص والروايات التي تتحدث عن حضوره الدائم في المشاريع الجديدة ومتابعته الشخصية لكثير من التفاصيل، وقد دأب كأخيه الشيخ مكتوم على توزيع المسؤوليات من حوله على مجموعات طامحة ومميّزة من الشباب، والشباب العاقل دائما ما يكون وقود النهضات البشرية إذا أحسن ذوو الشأن توظيفه والاستفادة من طاقته وتوقده وذكائه، كما أنه دائما ما يكون وقود الثورات والاضطرابات إذا أساء ذوو الشأن في استخدامه والاستفادة منهmiddot; سيظل التحدي أمام دبي قائما، وما كان تحديا بالأمس صار منجزا اليوم ودخل في عــــــداد الماضي ولن يعيق المسيرة مثل الوقـــــــوف على أطلاله والتبتل في محرابه، العظماء من الرجال والكبيرة من الإنجازات لا تقف عن مطاردة الأحلام الأجمل والأزهى، وكلما تحقق حلم كان الحـــــلم الجديد أكبر وأكثر طموحا وأزهى بهاءmiddot;
مضى حلم الشيخ مكتوم موشّحا بالإنجاز والنجاح، وأقبل حلم الشيخ محمد متطلعا لإنجاز أكبر ومتسربلا بهمة أقوى على مواصلة المسيرة ومراكمة المنجز، فسلام عليك يا دبي في الناجحين وسلام عليك في الناهضينmiddot;