جيمس بنكرتون
بينما نخطو اولى الخطوات في مستهل عام 2006 أجد انه ليس من السهل أن نحمل روح التفاؤل حول مستقبل الحرية ، إلا أن الوضع قد يختلف بنظرة أبعد نستشرف بها القرن الحادي والعشرين حيث هناك - إذا الزمنا انفسنا بمنهج حازم في التفكير - أسباب تدعونا للتمسك بأهداب آمال وأحلام عريضة.
وعلى المدى القصير تبدو بوضوح التهديدات التي تحيق بالحرية ، فهناك أناس في دول خارجية تضع هدف قتلنا نصب أعينها ومن ثم يتوجب على الحكومة ان توفر لنا الحماية ، على الرغم من أن الحكومات أحيانا تسيء استخدام هذا الواجب بتركيزها على بعض المخالفين لها والمنشقين عنها في الداخل متناسية للأعداء الخارجيين.
ويأتي التقدم التقني المطرد ليحمل معه أزمة جديدة آخذة في التزايد ، فأي فرد او مجموعة صغيرة يمكنها الوصول الى قوى تدمير هائلة ، بدءا من التوماهوك مرورا باختراع البارود الى القنابل الحديثة بأنواعها ، وهو ما يمثل منحنى صاعدا بسرعة مخيفة.
وفي بحثنا في محاولة الوصول الى طرق للتعبير عن تلك الظاهرة نتذكر ما قاله ألفرد بيستر في معرض وصفه لما أسماه quot; بايرquot; أو المادة التي تحمل الدمار لهذا الكون وذلك في قصة الخيال العلمي quot; ذا ستارز ماي ديستينيشن quot; أو النجوم مقصدي وذلك عام 1956 . ومن ثم فنحن لدينا quot; منحنى بايرquot; والذي تطور من أول أداة استخدمها الإنسان لتنفيذ جريمة قتل الى آخر أداة تزهق الأرواح في نهاية التاريخ
وبفضل الحاسوب سيستمر هذا المنحنى التصاعدي لفترة طويلة من الوقت مع تضاعف قوة العقل الاصطناعي مرات ومرات. ولسوف تتسع رقعة انتشار التقدم التقني لتشمل كافة أنشطة الإنسان . وإذا ما كان التاريخ يحمل لنا درسا في هذا الصدد فلا يزال هناك متسع من الأشكال التي ستخرج علينا من أسلحة مهلكة ومن بينها أسلحة دقيقة الحجم للغاية ، ومن ثم فحقيبة الأسلحة النووية التي نخشى منها اليوم قد يأتي عليها وقت وتتحول في أيدي قتلة المستقبل الى انبوب صغير من الحامض النووي.
وإذا ما وصلنا عند هذه الدرجة سيصبح لزاما علينا أن نجري عمليات تقويم شاملة لسائر الافتراضات التي وضعت مسبقا على ضوء ذلك الخطر القاتم الذي حمله العلم الفاسد. فإذا ما اصبح قناصو اليوم ومحترفو صنع القنابل هم أنفسهم مصنعي أسلحة الدمار الشامل المستقبلية فسوف يتبع ذلك بالتأكيد تغيير لمفهوم الحريات المدنية. وربما لا تتناسب سرعة تدخل قوات الشرطة لفحص جميع اجهزة الحاسوب المنزلية وكذا جميع الأجهزة الكيميائية ، غير أنه إذا ما أصبح هناك احتمال بوجود أسرار أسلحة التدمير في أي وسيلة من وسائل التقنية الحديثة في أي منزل ربما ينتهي الامر بأن نجد أفراد الشرطة يقتحمون المنازل سواء طرقوا الأبواب أولا أم دخلوا دون استئذان.
وربما أوجزنا الموقف على ذلك النحو : سيظل منحنى باير في تصاعده في الوقت الذي ستبقى فيه الكرة الأرضية - بالطبع - على حجمها ، وهو ما يعني المزيد من الدمار داخل حيز لا يتغير. عندئذ سيكون هناك من يدفع الثمن.
وأول المرشحين لدفع الثمن هي الحرية. فبعد وقوع أعداد ضخمة من المصائب والكوارث ستبرز غريزة البقاء لتحاول تأكيد وجودها ومن ثم يمكن التصدي لمصدر المشكلة والقضاء عليه أو اننا سنموت ونحن نحاول أن نفعل ذلك. وهناك أحداث سابقة مماثلة لاتخاذ خطوات استباقية للخطر منها على سبيل المثال حظر البنادق الآلية ، فعندما تصل قدرات الحاسوب المنزلي الى ما يعادل مائة ضعف لقوة الحاسوب العملاق الموجود اليوم عندئذ لن يسمح بوجود تلك الحواسيب في المنازل.
والتصور البشري على الأرض في ذلك الوقت هو وجود حكومة يتوفر لها أعلى درجات المعرفة والقوة ، ولن يكون هناك متسع لعمليات انشقاق وخلاف.
فهل تلك هي النهاية ؟ وهل ستلفظ حرية الإنسان أنفاسها على يد قدرة البشر على الشر والإفساد؟
ربما يقول البعض إن الحرية قد نجدها في مكان آخر ، سنهرب إليه بعيدا عن الأرض ، وهو ما ذكره روبرت هينلين في روايته quot; القمر فتاة غير رقيقة quot; التي عبر فيها عن تطلعات بعيدة للجنس البشري بالسعي وراء الحرية السياسية في الفضاء الخارجي بعيدا عن قيود العبودية التي لا مفر منها على الأرض.
غير أننا ما نزال بعيدين ملايين الأميال سياسيا وتقنيا عن الهجرة الى الفضاء الخارجي ، ولسوء الحظ فإننا بعيدون كل البعد عن انجاز ذلك الهدف والتماس الحرية في الفضاء الخارجي الشاسع. وما بين ارتفاع منحنى باير وزيادة سلطات الدولة يظل الأمل في الحياة والحرية للبشر دون حدود الأفق.
التعليقات