الإثنين:09. 01. 2006
د.خالد القحص
جاء على ذمة احدى الصحف الزميلة انه تم عرض فيلم اباحي على تلاميذ في روضة اطفال، في حين صرحت وزارة التربية وعلى لسان اكثر من قيادي فيها بأنه لم يكن فيلما اباحيا، بل كان فيلما ثقافيا يتحدث عن حياة الانسان القديم وطريقة معيشته. واعتقد جازما ان الناس لم ولن تعرف الحقيقة كاملة لأننا كأفراد، نعتمد على ما تبثه وسائل الاعلام في بناء قناعاتنا وفهمنا للواقع الذي نعيشه!
نحن - كبشر - لا نستطيع ان نكون في كل الاماكن في نفس الوقت. ولذا لا يمكننا ان نشهد وان laquo;نعيشraquo; ما يحدث في العالم من حوادث وامور ووقائع. ولذا نضطر الى الاعتماد على laquo;وسائطraquo; وlaquo;وسائلraquo; تنقل لنا بالصوت والصورة ما يحدث في مجتمعنا وفي العالم من احداث يومية ونأخذ هذه المعلومات غالبا بالتصديق الكامل. وبالتالي نبني عليها قناعاتنا ومواقفنا واتجاهاتنا السياسية والاجتماعية!
وهنا تبرز خطورة وسائل وزارة الاعلام.. في انها تتحكم بما نحمله من معلومات عن العالم. وبالتالي ليس بالضرورة ان تكون صورة العالم الذي احمله في ذهني متطابقة أو متشابهة مع نفس الصورة الذهنية التي تحملها انت - عزيزي القارئ - عن العالم!
ليس هناك واقع واحد وليست هناك حقيقة واحدة يتفق عليها الجميع.. لذا يعتمد الامر بدرجة كبيرة على نوع القناة التي تسمعها أو تشاهدها أو على الصحيفة التي تقرأها، لذا قل لي ماذا تقرأ. تسمع، تشاهد.. اقول لك من انت!
اظهرت ازمة فيلم وزارة التربية اننا، كصحافة كويتية، بحاجة الى الاخلاقيات المهنية الاعلامية لكي تحكم عملنا، ولكي ترشدنا وتعيننا - كإعلاميين - في اداء واجباتنا نحو المجتمع الذي نعمل فيه! فنقول الحقيقة ونكشف الاخطاء ومراقبة اداء المؤسسات الحكومية من اهم واجبات الصحافة الحرة التي تعي مسؤولياتها، ولكن الملاحظ ان احدى الصحف المحلية والتي تبنت القضية منذ اليوم الاول تؤكد على انه فيلم اباحي وجنسي حيث شاهد الاطفال الصغار مدة لا تقل عن 12 دقيقة من لقطات ساخنة بغياب المشرفة عليهم والتي ادارت جهاز الفيديو ثم انصرفت! هذه هي الصورة التي نقلتها احدى الصحف وتصر عليها وتحاول ان تثبتها من خلال تناقض التصريحات الصحافية التي يدلي بها قياديو وزارة التربية!
في حين حاولت بقية الصحف ان تكون محايدة في هذه القضية بحيث اقتصر دورها على نقل تطورات القضية سواء في وزارة التربية أو في مجلس الامة. وكان دورها - بشكل عام - يميل نحو تصديق أو قبول رواية وزارة التربية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من نصدق؟! ألهذه الدرجة غدت قضية الفيلم معقدة الى درجة اننا كصحافيين وكجمهور لا نعلم الحقيقة كاملة؟! الكويت صغيرة ولجنة صغيرة تشكلها وزارة التربية يمكن ان تأتينا بالاخبار كاملة وخلال مدة وجيزة! اعتقد ان المشكلة هي في تصفية الحسابات الشخصية مع هذا الوزير أو ذلك القيادي اكثر منها حرصا على الاطفال! انا لا انفي حصول الخطأ هنا.. قد يكون حصل خطأ في روضة الاطفال تلك. ولكن عتبي على الصحافة الكويتية بشكل عام في عدم البحث عن الحقيقة بشكل هادئ ومهني وراق. والحصول على العنب دون قتل الناطور!
بعض الكتاب مع الاسف بدأ يتحدث عن كون المشرفة منقبة (لا اعلم حقيقة ما دخل النقاب هنا)! وبدأنا ندخل في قضية تشويه سمعة تلك المدرسة الفاضلة، والتي لها خبرة تربوية كبيرة، والاصل هو حسن الظن بالناس حتى يتبين العكس! وحتى لو تبين العكس فالواجب علينا ان نبحث عن الاعذار والمبررات أو المسوغات لهذا الخطأ غير المقصود.. هذا ان كان قد حصل فعلا!
بالله عليكم هل يعقل ان تأتي معلمة فاضلة نأتمنها على ابنائنا وبناتنا ان تأتي بفيلم اباحي وتعرضه على اطفال صغار؟! من اين لها بذلك الفيلم الاباحي في المقام الاول؟! هل اتت به من منزلها أم انها تحتفظ به في مكتبها؟!! ارجو من الزملاء الصحافيين ان يتقوا الله عند الحديث عن اعراض الناس.. لأننا نؤذيهم بكلامنا واخبارنا ونجرح مشاعرهم دون ان نعلم أو نشعر!
الاحتكام الى الاخلاقيات المهنية الاعلامية لا يعني ان الصحافيين ليس لديهم اخلاقيات، بالقطع لا، ولكن اقصد انه يجب علينا ان نتريث وان نتثبت من المعلومة التي نبثها على الجمهور لأنها امانة، ولأن الخطأ قد يعني تشويه سمعة احدهم وبالتالي تفقد الصحافة جزءا من مصداقيتها، وهذا ما لا نريده ولا نتمناه لصحافتنا.
اعلم ان هدف بعض الصحف هو رأس وزير التربية وليس المعلمة، ولكن كم من الضحايا والقرابين التي سنقدمها على مذبح الصحافة حتى نصل الى رأس وزير التربية!
التعليقات