الجمعة:13. 01. 2006


وليد شقير

قبل ان تتكثف الاتصالات العربية مع سورية وصولاً الى القمتين السعودية ndash; السورية، ثم المصرية ndash; السورية في الثامن من الجاري، كانت سورية (وحلفاؤها اللبنانيون) وجهت رسائل عدة الى الدول العربية الفاعلة، لا سيما القاهرة والرياض، وإلى المجتمع الدولي، عن قدرتها على الرد على الضغوط كي تتجاوب مع مقتضيات التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي 1595، 1636 و1644.

وثمة من قرأ الأحداث في لبنان منذ منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) على ان بعضها رسائل سورية كالآتي:

- اهتزاز الوضع الحكومي من طريق تصاعد اعتراض laquo;حزب اللهraquo; و laquo;حركة أملraquo;، اولاً على السماح لرئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة بالرد على كلام الرئيس بشار الأسد عن الأخير بأنه عبد مأمور لعبد مأمور والانسحاب من جلسة مجلس الوزراء، ثم الاعتراض على اقتراحه البحث في محكمة ذات طابع دولي، بالانسحاب من جلسة مجلس الوزراء، وصولاً الى اعلان تجميد مشاركة وزراء الحزب و laquo;أملraquo; في جلسات مجلس الوزراء رداً على طلب اكثرية الحكومة من مجلس الأمن الدولي انشاء محكمة ذات طابع دولي والتوسع في التحقيق الدولي ليطاول الاغتيالات الأخرى، وذلك في جلسة 12 كانون الأول (ديسمبر)، يوم استشهاد الزميل جبران تويني.

وهذه الرسالة، وفق قارئيها من معارضي الدور السوري في لبنان هدفت الى التأكيد ان دمشق قادرة عبر حلفائها على laquo;نزع الشرعيةraquo; عن الحكومة اللبنانية بخروج الوزراء الشيعة منها، اذا استمرت في توسيع دائرة التحرك الدولي في مواجهتها في لبنان من جانب خصومها اللبنانيين الذين كان منطقهم ان لا سبيل لمواجهة الاغتيالات إلا بتأمين المزيد من الغطاء الشرعي اللبناني للتحقيق الدولي...

- تجميد أي حوار بين السلطة اللبنانية والفصائل الفلسطينية المختلفة، من اجل انهاء الوجود الفلسطيني المسلح خارج المخيمات وبحث تنظيم هذا السلاح داخل المخيمات برفض الفصائل الحليفة لدمشق صيغة تشكيل وفد فلسطيني موحد تحت جناح منظمة التحرير الفلسطينية، لمحاورة السلطة اللبنانية في هذين الموضوعين. واتضح هذا الرفض اكثر حين تحفظت حركة laquo;حماسraquo; و laquo;الجهاد الإسلاميraquo; عن قرار الحكومة اللبنانية السماح بفتح مكتب تمثيلي للمنظمة في بيروت لأنه يهدف الى وحدانية التمثيل الفلسطيني...

- إطلاق تنظيم فلسطيني، وفق المعلومات المؤكدة للسلطات اللبنانية الأمنية، صواريخ كاتيوشا من الجنوب نحو الشمال الإسرائيلي في 27 كانون الأول الماضي...

لقد استند قارئو هذه الأحداث وغيرها، الى انها رسائل سورية، إلى خطاب الرئيس الأسد في 10 تشرين الثاني في جامعة دمشق عن قراره مواجهة الضغوط، وعن ان هذه الضغوط ستزعزع الاستقرار في المنطقة والعالم...

لكن اكثر ما توقف عنده الذين فهموا تسلسل الأحداث بهذه الطريقة هو اعلان laquo;قاعدة الجهاد في بلاد الرافدينraquo; مرتين مسؤوليتها عن قصف الصواريخ من الجنوب على اسرائيل.

وإذا صحت هذه القراءة فهذا يعني واحداً من أمرين: اما ان laquo;القاعدةraquo;، كما قال ابو مصعب الزرقاوي في بيانه الثاني، اطلقت الصواريخ بأمر من اسامة بن لادن، وهذا خطير لأن التنظيم المتشدد ينتقل الى ميدان جديد للنشاط في المنطقة هو جنوب لبنان، او ان laquo;القاعدةraquo; قررت تبني اطلاق الصواريخ من جانب تنظيم فلسطيني (موال لسورية) وهذا أخطر، لأنه يعني وجود اتفاق بين هذا التنظيم وبين laquo;القاعدةraquo; على هذا التبني وإلا كانت الأخيرة نفت مسؤوليتها.

قد يعتقد الكثيرون ان بقاء الغموض حول هذه المسألة هو جزء من اللعبة، لكن في كل الحالات ينقل احتمالات تطور الأوضاع على الساحة اللبنانية، واللبنانية ndash; الإسرائيلية الى درجة عالية من الحرارة، لاستنفاره أعين الدول الكبرى وآذانها، لا سيما الولايات المتحدة إزاء هذه الاحتمالات، من اجل تفكيك ما ترمز إليه هذه الرسالة والتصرف في مواجهتها.

لقد سببت الرسائل laquo;السوريةraquo; المذكورة اضراراً لا بأس بها لعلاقات laquo;حزب اللهraquo; بأطراف كثيرين، وكذلك للفلسطينيين في علاقاتهم باللبنانيين، زاد من منسوبها موقفا laquo;حماسraquo; و laquo;الجهادraquo; اللتين على قيادة كل منهما في لبنان اخذ بعض الدروس من بعض قادة laquo;فتحraquo; عن الآثار الكارثية للأخطاء المماثلة التي ارتكبتها وغيرها من التنظيمات في لبنان اواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الفائت، خصوصاً لدى الجمهور الجنوبي.

اما إذا صح ظهور laquo;القاعدةraquo; في الجنوب سواء فعلياً أم إعلامياً (فقط) فإن الأضرار على الحزب وعلى الجنوب ولبنان وسورية مفتوحة. أقلها سيكون على قدرة laquo;حزب اللهraquo; على التعايش مع هذا الظهور على كل الصعد.