جوزف سماحة

يصفونها في الغرب بquot;الأزمة الكبرىquot;. إنها المواجهة المحتملة بين ما يسمى quot;المجتمع الدوليquot; وبين إيران حول quot;الملف النوويquot;. ليس محتوماً أن تندلع غداً، ولكن من المؤكد أن أي مخرج منها، مؤقتاً كان أو دائماً، بات يعني هزيمة لأحد الطرفين. والأنكى من ذلك أنها هزيمة صعبة الاحتمال على كليهما، كما أنهما، ولو بتفاوت، على ثقة بإمكانية الانتصار فيها.
تجد إيران نفسها في مواجهة مع القوى الكبرى الفاعلة الرئيسية كلها بدءاً من روسيا المترددة وصولاً إلى الولايات المتحدة المصممة. وتملك هذه القوى ركائز إقليمية مباشرة أو مؤيدة لها. إلا ان الصورة من إيران أن بعض هذه الركائز هي، في الحقيقة، lt;lt;رهائنgt;gt; وأن إيران دولة إقليمية كبرى معنية مباشرة بملفات حساسة تشكل، هذه الأيام، عصب السياسات الدولية، ومركز اهتمامها المباشر، ومحط توظيفها، ومختبر علاقاتها، ومسرح عملياتها.
إذا توصلت واشنطن وحلفاؤها الى خلاصة تقول إن lt;lt;التفاوض الاحتوائيgt;gt; فشل، فسيعني ذلك أن مرحلة من الدبلوماسية تشارف على الانتهاء، وأن مركز الثقل في التعاطي مع إيران سينزاح الى التصلب، وأن اللجوء الى مجلس الأمن بعد المرور بوكالة الطاقة بات محتوما. ومن يقل مجلس الأمن يقل عقوبات وارتفاع الأصوات الداعية الى استعادة الخيار العسكري والتلويح به (إسرائيل أساسا، والمحافظون الجدد). ومن يقل عقوبات فعليه أن يتوقع خطوات رد إيرانية بينها الانسحاب من معاهدة الحد من الانتشار النووي، وتوتير نقاط ساخنة أصلاً.
تمثل إيران، نظريا، كل ما هو في خط الاستهداف الأميركي كما يتم تعريفه في واشنطن سواء وفق العقائد السابقة أو وفق تعديلات جورج بوش الراديكالية عليها: أصولية. دعم الإرهاب. السعي الى الاسلحة غير التقليدية. العداء للمصالح الأميركية. تهديد الحلفاء والأصدقاء. عبور الحدود. الثروة النفطية. الموقع الاستراتيجي. الخطاب التعبوي. ألخ... إنها أكثر من كوريا حاليا ومن العراق سابقا ممثل lt;lt;الشيطان الأكبرgt;gt; في عالم ما بعد 11 أيلول.
ومن الضروري النظر جديا إلى الإعلانات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية المتكررة بأن حيازة إيران لسلاح نووي lt;lt;خط أحمرgt;gt;، لا بل إن امتلاكها لكامل الدورة التكنولوجية النووية، ولو لأغراض سلمية، ليس مقبولاً. لقد اختصر مسؤول في مجلس الأمن القومي الأميركي (lt;lt;الحياةgt;gt; امس) موقف بلاده بالقول: lt;lt;إن منع دولة تدعم الإرهاب من الحصول على سلاح نووي في منطقة حيوية هو مسألة على رأس أولويات الأمن القومي الأميركي، وليس من مصلحة إيران أن تتحدى المجتمع الدوليgt;gt;.
مختصر مفيد. lt;lt;إرهابgt;gt; زائد lt;lt;نوويgt;gt;، زائد نفط. لسنا بحاجة إلى بوش من اجل التصعيد، جيمي كارتر كان فعل الشيء نفسه!
ليس مهماً أن ما تدعمه إيران هو المقاومة في فلسطين ولبنان، وليس مهما أنها تراعي أحكام وكالة الطاقة، وليس مهما أن لا اتفاق حول برنامجها وموعد دخوله مرحلة lt;lt;الخطرgt;gt;، وليس مهما أن لا دليل واحداً على ذلك، وليس مهما أنها lt;lt;ساعدتgt;gt; في أفغانستان وكانت lt;lt;متعاونةgt;gt; ومستعدة للمزيد في العراق، وليس مهما أن سعر النفط مرتفع ويستحسن عدم اللعب له... ليس كل ما تقدم مهما لأن lt;lt;الأمن القومي الأميركي في خطرgt;gt;، أو هكذا تقرر، وإيران lt;lt;على رأس سلم الاولوياتgt;gt;. لم يشر المسؤول الآنف الذكر إلى أن lt;lt;المصالح الحيوية الأميركيةgt;gt; في خطر، ولا الى أن lt;lt;المصالح الاستراتيجيةgt;gt; في خطر، ذهب مباشرة إلى lt;lt;الأمن القوميgt;gt; ومدلول ذلك في اللغة الأميركية أن الخيارات كلها مفتوحة فعلاً، بما في ذلك العسكري منها.
لذا يقال إنها lt;lt;الأزمة الكبرىgt;gt;.
  
بقي لبنان، بمعنى من المعاني، على هامش الحرب العدوانية على العراق. لم ينضبط تماما، وقتذاك، بالموقف السوري الرافض للحرب. وكانت التحركات الشعبية ضد الغزو ضعيفة لأن كتلتين كبيرتين ولأسباب غير متطابقة لم تندفعا الى الشارع (lt;lt;حزب اللهgt;gt;، وتيار lt;lt;المستقبلgt;gt;). نعم حصلت نقاشات صاخبة إلا أنها بقيت معزولة عن توفير تعبئة شعبية واسعة.
إلا أن لبنان استقبل نتائج تلك الحرب. لقد تزامن lt;lt;الاهتمامgt;gt; الأميركي به معها وتصاعد بعدها. وكان واضحا أن الوجهة هي تدفيع سوريا ثمن مواقفها وتوليد مناخ سياسي ضاغط على lt;lt;حزب اللهgt;gt; في سياق المواجهات المفتوحة في العراق وفلسطين واستعداداً لعلاج الدولة الثانية في lt;lt;محور الشرgt;gt; الشهير.
كان الرهان الأميركي على نجاح في العراق يطلق آلية lt;lt;الدومينوgt;gt; وعلى وجود عسكري مباشر ومرحب به يلعب دوراً رادعا. لم يتحقق النجاح تماما ولم يفعل الردع فعله.
إلا أن ما خسرته الولايات المتحدة في هذين الأمرين عوّضت عنه بتوافق جديد مع فرنسا حول لبنان (وسوريا) ومع فرنسا وألمانيا حول العراق (بريطانيا حاضرة في هذه الملفات كلها). وبات في الإمكان العمل، ولو كمرحلة أولى، من خلال مجلس الأمن.
إذا كان لبنان تلقى نتائج ما بعد الحرب على العراق فإنه، اليوم، في صلب الأزمة المندلعة مع إيران. ويمكن لنا أن نقرأ بعض التطورات انطلاقا من صلتها بالمواجهة المتصاعدة على بعد مئات الأميال. ليست الهجمة على lt;lt;حزب اللهgt;gt; معزولة عن ذلك. وليست lt;lt;الوساطاتgt;gt; العربية بعيدة عن محاولة الدمج بين هم الاستقرار اللبناني وهم إغراء سوريا بالابتعاد عن إيران. وليست الاعتراضات الأميركية والفرنسية، ولو غير المعلنة، على الوساطات العربية ومضمونها إلا نتيجة التقدير بأنه يمكن قيادة لبنان في وجهة معيّنة، والضغط على سوريا، وعدم التسامح مع إيران. إن ما يتردد يوميا، ويصدر في بيانات رسمية أميركية، من أنه lt;lt;لا صفقةgt;gt; مع سوريا حول لبنان يعني ضمن ما يعنيه أن لا نية لدفع أي ثمن لدمشق مقابل تعديل سياستها حيال إيران، ويعني، في السياق نفسه، استمرار الإلحاح على تطبيق القرار 1559.
إن الاحتقانات التي عاشها لبنان بعد حرب العراق، والتي ازدادت مع تدهور العلاقات اللبنانية السورية، مرشحة لأن تدخل، مع التوتر الإيراني الغربي، في طور جديد.
لقد تسببت حرب العراق بتفجير الازمة اللبنانية الصغرى، ولكنها مهدت الطريق من أجل أن تمهد الأزمة الكبرى مع إيران، في حال اندلاعها، لمزيد من الاضطراب في الوضع اللبناني.
إنه زمن التمحور. كل إلى معسكره.