نبيل بومنصف
لا يمكننا النوم على حرير الضمانات الكلامية والهبّات الكلامية التي مفادها ان تحريك الشوارع المتقابلة يظل في النهاية ممسوكا بزعامات الشوارع وقادة الطوائف، وان هؤلاء لن ينزلقوا بعد كل شيء الى تقديم لبنان quot;هديةquot; مكررة الى كل خارج مختبىء وراء تركيبته الهشة لاشعاله. لذلك فالزمن زمن ثبات لا هوادة فيه عند حقوق اللبنانيين وحقوق لبنان ولا مساومة ولا مفاضلة ولا حياد جائز بين الحق وquot;السلبطةquot; كما لا مساومة ولا حياد حيال كل نزعة انتحارية مدمرة جديدة لأن قمع مشاريع الفتنة لا يجري اطلاقا بالاسلوب الجاري، أي اسلوب الابتزاز في العمل السياسي.
ما جرى في توسل الشوارع، من الناعمة الى السرايا الى الكرنتينا هو لعب بالنار، ولا شيء يضاف الى ذلك ولا اجتهاد آخر سواه. بدأ اللعب بالنار ينزلق بالشبيبة اللبنانية الناشئة وبمن يحركها الى متاهة التوظيف الفتنوي في مرحلة بالغة التقدم في خطورتها نحو quot;تطويرquot; الوضع الداخلي وquot;إنضاجهquot; بقوة لتَلَقّي زخات التوظيف الخارجي والصراعات الخارجية وجعل لبنان quot;يتأهلquot; بالكامل للوظيفة القاتلة تكرارا. كان الامر يجري سابقا عند حدود الصراع العربي الاسرائيلي وحدود المواجهة مع اسرائيل. كلما جاء موفد اميركي الى المنطقة تشتعل الحدود، وكلما احتدمت فصول مواجهة اقليمية تدفع جهات المعارضة اللبنانية الثمن قمعا وتنكيلا. تغيرت الاحوال، ولكن ليس بالمقلوب، وليس صحيحا ان فئة لبنانية تنكل اليوم بفئة لبنانية اخرى، وليس صحيحا ان الامر هو صدام بين ديكتاتورية الغالبية وديكتاتورية الاقلية. ما يجري هو توازن مرعب مخيف في العجز المودي الى الانفجار حتما ما لم تقعد العقول في رؤوس أصحابها مستقيمة.
هلل كثيرون بعد الانتخابات لـquot;توازنquot; فضفاض واقعي في تمثيل الكتل الطائفية العملاقة. فماذا جرى؟ بدأ الآن quot;فرزquot; المعسكرات السياسية الطائفية العملاقة وبدأ تثبيت مفهوم quot;الطائفة المعسكرquot; كأساس لمشروع دولة لان زعماء لبنان وقادتهم عاجزون عن الاقلاع بمشروع الدولة تحت وطأة عسف الارهاب والاغتيالات وتحت عصف التوظيف الخارجي والصراعات الخارجية العائدة برؤوسها المتعددة لتوظف لبنان. ولكن ليس كل خارجي شرا، وليس الدعم الدولي للبنان شرا، ولا يجوز ان يذهب الحق بجريرة النفاق، وثمة فرص كثيرة سابقة وقف العالم الخارجي نفسه فيها، ولو من دون كل الدول الواقفة اليوم مع لبنان، مع حق لبنان في منع الاستباحة العدوة فيه ولو كان مقصرا وعاجزا عن حمايته.
ثمة في الدعم الدولي الراهن ما يتجاوز التوظيف الداخلي الممجوج والمكرر لتلك الكلمة المقيتة التي اسمها وصاية، ثمة حرب ارهابية تغتال لبنان وتأكله ولا يمكن لبنان مواجهتها منفردا وضعيفا ومفتقرا الى القدرات ومكبل اليدين. وكل عرقلة او مزيد من العرقلة لاطلاق مشروع الدولة سيمكن مطابخ العتم من اطلاق موجة اثر موجة في حرب الارهاب والاغتيالات. والحديث عن وصاية دولية او أميركية محكه او اختباره الحاسم في القرار السياسي، أي في محراب الحكومة ومحراب مجلس النواب، وليس في الشارع. واذا كانت حفنة لبنانية من الموتورين والمتعصبين ارتكبت حماقتها الغبية في الناعمة باطلاق السموم المذهبية فهذا لا يبرر استحضار اسلوب أبشع في الرد امام السرايا ثم اسلوب أبشع في الرد على الرد في اي مكان آخر. ما يجري او ما بدأ يجري هو اقامة quot;معسكراتquot; نفسية وشوارعية وسياسية واعلامية وتعبوية وحكومية. واذا كان هذا ما يقدمه الينا زعماء لبنان في اختبارهم الحاسم الاول في زمن السيادة فلماذا quot;نظلمquot; الخارج والخوارج، ولماذا لا نبدأ quot;بفحص الدمquot; للشعب اللبناني نفسه ونسأله: هل أنت منذور للانقياد والانتحار وعدم التمييز من الابد الى الأزل؟ أم أنك مدمن على الانتحار؟
التعليقات