الثلاثاء:17. 01. 2006

هيلين كوبر

في ليبيريا لا يوجد شخص ليست له قصة أليمة أخذت شكل مشاحنة أو شجار قاسٍ مع مسلحين مهووسين بالعنف ومشتطين في استخدام سلطاتهمmiddot; أشخاص مسلحون عاثوا في الأرض فساداً ودمروا البلاد طيلة ربع قرن من الزمن ولم يستثنوا في عنفهم وقسوتهم حتى ألين سيرليف التي تم تنصيبها رسميا يوم أمس الاثنين رئيسة لليبيريا والتي ستحكي لنا قصتها الأليمة مع الرجال المسلحين، وآثارها العميقة في نفسها محاولة مداواة الجراح من خلال تقديم يد المساعدة لأبناء بلدها والقطع كليا مع الممارسات العنيفة التي كانت شائعة في السابقmiddot;
بدأت قصة إلين جونسون سيرليف سنة 1985 عندما كانت زعيمة لحزب سياسي تبلغ من العمر 47 عاماmiddot; ولأن الحزب كان معارضاً لنظام الرجل القوي في ليبيريا وقتها سامويل دو فقد تعرضت للاعتقال خلال حملة مداهمات واسعة قام بها النظام ضد العناصر المناهضة لحكمه عقب محاولة انقلابية لم يكتب لها النجاحmiddot; في تلك الأوقات العصيبة التي مرت بها البلاد لم تكن تتوقع سيرليف أن ستة جنود سيطرقون باب بيتها في ليلة ظلماء ليسحبوها أمام أعين عائلتها إلى إحدى الثكنات العسكرية خارج العاصمة منروفيا ويزج بها في زنزانة مع 15 رجلا كانوا قد اعتقلوا في وقت سابقmiddot; وعندما انتصف الليل رجع الجنود وهم يحملون في أيديهم حبلا استعملوه لتقييد المعتقلين ما عدا واحداmiddot; ولأن الحبل كان قصيرا فقد انتزعوا من ''سيرليف'' خيوط حذائها واستكملوا ربط المعتقلين ثم دفعوا بالرجال الخمسة عشر خارج الزنزانةmiddot; وبينما وقفت ''سيرليف'' في زاوية معتمة تصطك أسنانها من شدة الخوف سمعت صوت شحن البنادق أعقبه إطلاق نار فأيقنت حينها بأن الجنود قاموا بإعدام المعتقلينmiddot;
بعد عشرين سنة من وقوع تلك الحادثة الأليمة استطاعت المعتقلة الوحيدة التي نجت من الإعدام في تلك الليلة أن تصبح أول امرأة أفريقية تتولى منصب الرئاسة في القارة السمراء، حيث تمكنت السيدة ''سيرليف'' من الفوز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ليبيريا في شهر نوفمبر الماضي بنسبة أصوات بلغت 59,4% بعدما تقدمت على منافسها لاعب كرة القدم الشهير جورج وياmiddot; غير أن الرياضي المهزوم رفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات جريا على عادة الحرس القديم من الساسة الليبيريين الذين كان ينتقد سلوكهم في السابق مبرراً رفضه لنتائج الانتخابات على أنها تعرضت للتلاعب والتزوير، وبأن عملية التصويت شابتها العديد من الخروقات، ما أدى إلى نزول مؤيديه من الشباب العاطل عن العمل إلى شوارع العاصمة رافضين التسليم بنتائج الانتخابات وفوز ''سيرليف''middot; وبدلا من إسهامه في تهدئة الأوضاع والحد من أعمال العنف التي يقوم بها أنصاره أجج جورج ويا المزيد من المشاكل عندما أعلن في إحدى خطبه بأن ''الثورة قضية نبيلة'' مضيفا ''إنه من حقنا الحصول على العدالة وسنبذل كافة جهودنا من أجل نيل حقوقنا''middot; بعد ذلك تصادم مؤيدوه مع رجال الشرطة وقوات حفظ السلام الدولية في مواجهات عنيفة هددت بتقويض السلام الهش القائم في ليبيريا ومرددين هتافاتهم المألوفة ''لا سلام من دون ويا''middot; واللافت حقا أن الشعارات التي يرفعها أنصار جورج ويا لا تختلف كثيرا عن الخطاب الذي كان يطلقه حكام أفريقيا الأقوياء وأدى إلى تدمير بلدانهم مثل شارلز تايلور وروبرت موجابي، بالإضافة إلى باقي أمراء الحرب المنتشرين في ربوع أفريقيا الذين حان وقت رحيلهم عن القارة السمراء إذا كانت توجد هناك فعلا عدالةmiddot; ويستعمل جورج ويا الشعارات نفسها التي استخدمها من قبله حكام بعض الدول الأفريقية لتأجيج صراعات دامية خلفت العديد من القتلى والضحايا كما حدث في سيراليون وساحل العاجmiddot;
ولا يختلف الأمر كثرا في ليبيريا حيث تمتلئ شوارع العاصمة منروفيا بمظاهر العنف والدمار بعدما خربت البنية التحتية وأفرغت البنايات من محتوياتها وعلت أصوات المدافع وإطلاق الرصاصmiddot; وفي ظل هذا الوضع الرهيب لم يجد الأهالي بدا من الفرار للنجاة بحياتهم بعدما شردتهم الحرب الطويلة ودفعت بهم إلى أطراف المدينةmiddot; والأكثر من ذلك الحالة المتردية للخدمات الأساسية في المدن حيث تفتقد البلاد إلى الكهرباء منذ ،1991 فضلا عن انعدام الماء الصالح للشرب، وقلة المدارس والافتقاد إلى البنية الاقتصادية القادرة على إعادة الأمل إلى نفوس الشباب الذين يقضون نهاراتهم الطويلة يجوبون الشوارع دون هدف محددmiddot; فهل يمكن لجدة تبلغ من العمر 67 سنة أن تعالج كل تلك المشاكل؟ تجادل السيدة ''سيرليف''، التي قامت بزيارة إلى نيويورك وواشنطن عقب فوزها في الانتخابات، بأن سبب ثقتها في نفسها إنما يرجع في جزء منه إلى أنها جدة تبلغ 67 سنةmiddot; فبصرف النظر عن تجربتها الطويلة كخبيرة اقتصادية في البنك الدولي وعلاقاتها المتميزة مع الدول المانحة التي حتما ستفيد ليبيريا، هناك ما هو أهم من ذلك كله متمثلا في تدشينها نمطا جديدا من التفكير العقلاني يقطع مع التجارب النفسية والاجتماعية المريرة التي مر بها البلدmiddot;
وللتدليل على تفكيرها المختلف تفحصوا وجهة نظرها إزاء مشكلة اغتصاب الفتيات في أفريقياmiddot; ففي ليبيريا كما في باقي الدول الأفريقية الأخرى لا يوجد قانون ينص على عقوبة صريحة ضد جريمة الاغتصابmiddot; لذا يظل المجرمون الذين يلجأون إلى الاغتصاب كوسيلة لفرض هيمنتهم على النساء الضعفاء طلقاء لا يخضعون للعقابmiddot; ولوضع حد لهذا التسيب القانوني طالبت السيدة ''سيرليف'' البرلمان الليبيري بسن قانون يجرم الاغتصاب ويحدد عقوبة رادعة ضد مقترفيهmiddot; وقد وضع قرارها الرامي إلى محاربة اغتصاب الفتيات، على المحك عندما رشحت معلومات تفيد بإقدام أحد أفراد البعثة الدولية لحفظ السلام في ليبيريا على اغتصاب فتاة تبلغ تسع سنوات، حينها اتصلت سيرليف فورا برئيس البعثة وطلبت منه التحفظ على الجندي ومنعه من الخروج من البلادmiddot; ولئن كانت المعاقبة على جريمة الاغتصاب أمرا بديهيا في دول العالم، إلا أن الأمر ليس كذلك في بلد مثل ليبيريا حيث أدت الحرب الأهلية المستمرة إلى إضعاف القيود الاجتماعيةmiddot;

كاتبة ومحللة سياسية أميركية.