الخميس:19. 01. 2006

بقلم: ديفيد هيرست
ترجمة: مروة وضاء

كتب الخبير بشؤون الشرق الاوسط فولكر بيرثنز قبل وصول القوات الامريكية الى بغداد في اذار 2003 ان اخطار هذه الحرب quot;غير الشرعيةquot; quot; كبيرة لكنها ستتعاظم اذا ما فشلت الولايات المتحدة في تهدئة اوضاع عراق ما بعد الحربquot; وما من احد يدرك اكثر من ادارة بوش صدق هذه التنبؤات التي تصور نتائج الفشل الامريكي. اتخذت ادارة بوش من هذه الاوضاع المريعة حجتها الاقوى quot;للاستمرار في مهمتهاquot; بينما اعتبر اخرون هذه الخطوة هي quot;اكبر كارثة ستراتيجية في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية quot;بحسب كلمات الجنرال الامريكي المتقاعد وليام اودوم.
اذا اعتبرنا هذا القول صحيحا فكيف ستبدو هذه الكارثة ؟ ان حجم الكارثة هو على الاقل يوازي حجم الطموحات التي رافقت الحرب في المقام الاول وهي بان quot;العراق سيصبح نموذجاً لاعادة تشكيل الشرق الاوسط برمتهquot;
ان تراجع الولايات المتحدة من المنطقة وبالذات سحب القوات هو بلا شك شرط مسبق ومقياس لنشوء نظام شرق اوسطي جديد معتمد على نفسه اما اذا كان الانسحاب مخزيا وموسوما بالفشل، فالمنطقة لن ترجع الى وضعها السابق فحسب بل ان العراق بدلاً من ان يصبح منارا لها سيكون المنبع الرئيسي لكل الظواهر السيئة التي كان يفترض بالاحتلال ان يقضي عليها.
ان كان الشرق الاوسط يعتبر سابقا غابة فانه سيصبح حينئذ اكثر شراسة وهمجية وذلك لاحتوائه على عوامل قوية تساعد على التدهور والانحطاط وتزيد من زعزعة الاستقرار فيه والتي تفضي الى استعمال طرق اكثر وحشية تتمثل باعمال القمع الداخلية والحماقات والمجازفات الخارجية في سبيل محافظة الانظمة القائمة على بقائها وهذا سيزيد العداء ضد الولايات المتحدة في المنطقة.
ان انسحاباً quot;جيداًquot; سيقلل من مشاعر العداء هذه بينما انسحابquot;سيئquot; سيفجر ويؤجج مشاعر العداء الناشطة .
وهذا لان العرب يجدون في الحرب على العراق استمرار لتاريخ طويل من التدخل الغربي العنيف في شؤونهم والى ان يعود العراق الى ما كان عليه قبل تداعيات فشل الحرب فان مثال المقاومة الناجحة المعادية للامريكان فيه ستشجع مناطق اخرى للاقتداء بها وبشكل خاص فلسطين.
كان عراق صدام النموذج المثالي لطغيان القادة العرب باستعماله الطائفية المتمثلة بحكم الاقلية كجزء اساسي في تكوينها. فاذا فشلت الولايات المتحدة في العراق سيصبح عندها نموذجاً يجر المنطقة العربية للفوضى مجسدا اكبر قوتين مساعدتين على تهاوي الشرق الاوسط الاولى هي الطائفية(بصورة اساسية السنة ضد الشيعة) او العرقية(بصورة أساسية الكرد ضد العرب والترك والإيرانيين) والتي تمثل الاحقاد في اشكالها الحديثة وتعكس الاساليب الاستبدادية القديمة، والاخر هو قيادة الفكر الاسلامي العالمي المتطرف، حيث اظهرت الانتخابات سيطرة هذا الفكر على طرفي النزاع السياسي الطائفي اذ ان الإسلام المتعصب سينتج حتما سلالة ذات طابع ديني متعصب، والعراق حتى الان هو المغناطيس الأقوى للجهاديين والتكفيريين ويكاد يصبح كالنموذج الأفغاني بتصديره الجهاديين وقد اتضح ذلك فعلا من انفجارات الاردن الانتحارية.
بينما ستكون القوة الاعظم في العالم في طريقها للانسحاب, سوف تُجر الدول العربية الى هذه الدوامة العراقية, مع تركيا وإيران في صراع لاحتلال موقع الولايات المتحدة لكنهم بدورهم سيفشلون فشلا ذريعا.
سيطرت انظمة المنطقة في الماضي بطريقة ما على التدخل في شؤون بعضها البعض ومارسوا مثل هذه السيطرة على مناطق وساحات نفوذهم، فيها اما اليوم فهم سيتنافسون مع قوى غير حكومية طائفية وعرقية واسلامية والتي تمثل تحديا متزايدا بالنسبة لهم.
وفي حقيقة الامر ان دول الاقليم كلها تمتلك عوامل النزاع الطائفي الذي يمتلكها العراق وبالاخص سوريا فبعيدا عن سيطرتها على بعض مناطق العراق فانها تكاد تشبه عراقاً يلفظ انفاسه الاخيرة كدولة موحدة .
في خضم هذه الفوضى التي لايمكن ان تدرك تنبؤاتها هناك شيء واحد على الاقل يبدو واضحا وهو ان ايران ستكون المستفيد الاول من الفشل الامريكي في العراق بحصولها على تأييد الاغلبية الشيعية مما سيصعد اسهمها السياسية في العراق على حساب أمريكا. ان بعض الملالي يحضرون منذ فترة انفسهم لاعادة تشكيل خططهم مع رئيسهم الجديد محمود احمدى نجاد والتي يبدو انها وصلت الى مرحلة نشيطة وناضجة حيث يعتقد هو ومن حوله ان الولايات الاميريكية هي العائق الوحيد بوجه الهيمنة الايرانية على الاقليم وان اخفاقها في العراق سيوصلها الى مرحلةquot;افول نجمهاquot;.
بالنسبة لايران فالعوامل الاثنية الطائفية الدينية هي بمثابة اسلحة فعالة وان نقاط ضعفها (الكرد) اقل اهمية من ان تقارن بتأثيرها المتطور على المنطقة العربية وهذه هي الحقيقة التي حذر منها الملك الأردني عبد الله من quot;هلال شيعيquot; يمتد من العراق عبورا بسوريا (طالما بقي نظامها العلوي المدعوم من ايران)وصولا الى جنوب لبنان, وقد تطرق بعض الساسة الاردنيين للحديث عن بناءquot;جدار سنيquot; يمتد عبر العراق لابقاء الخطر بعيدا.
بالاضافة الى ان ايران غير العربية هي الراعي الاساسي للاصولية الاسلامية في العالم العربي وتمثل فلسطين احد اكثر ميادين نفوذها نجاحا.حيث تحاول ان تصبغ النضال الفلسطيني بالطابع الاسلامي لن تجد لquot;حماسquot; شيئا يخدم طموحاتها افضل من التاثير الذي سيجلبه فشل الولايات الاميريكية في العراق والتي تقترب اليوم من الهيمنة على الاراضي المحتلة كقوة مسيطرة سياسيا تكاد تتفوق على الحركة الوطنية العلمانية quot;فتحquot; .
ولكن الشيء الذي سيجعل من ايران واسرائيل اخطر وحوش غابة الشرق الاوسط هو رغبة ايران الملحة في الحصول على الاسلحة النووية والذي سيحصل على دعم الراي العام العربي حيث سيجدونه نوعاً من التعويض عن اثبات الذات حيث لايجرؤ اي قائد عربي ان يصرح به في مواجهة اسلوب السياسة الغربية والنفاق الغربي الذي يسمح لاسرائيل ان تنفرد بامتلاك اسلحة نووية في المنطقة.
من جهة اخرى فلم يستثمر احد توقعات حرب العراق كما فعلت اسرائيل حيت فكرت بأن النجاح الامريكي في العراق سوف يعزز من دورها الاستراتيجي في حين ان الفشل سيجعلها تضيق الخناق على الفلسطينيين ويجعلها اكثراستعدادا لاستخدام الحل العسكري ضد ايران.
فاذا ما استخدمت الولايات المتحدة العنف والتعنت ضد ايران كما فعلت مع العراق فستكون التداعيات السلبية لمثل هذه المغامرة الجديدة تفوق سابقتها, لانه ليس هناك من شك بان رد فعل ايران مع حلفائها الشيعة والإسلاميين الذين دعمتهم سيكون العامل المدمر للمنطقة والذي طالما هددت به.

عن المدى