الأربعاء:25. 01. 2006
خيري منصور
قد تكتب مقالة بالعربية الفصحى، ويتحذلق صاحبها فيبدو أشبه بذلك النحوي الذي مات وفي نفسه شيء من حتى، لكنها تكون مضادة لا للأبجدية فقط، بل لكل الناطقين بها، ولكل ما تنبض به القلوب المدماة التي بلغت الحناجر في أكثر من مجزرة، وفي أكثر من خيانة عظمى صورت على أنها مجرد اجتهاد.
ويبدو أن أحدث الأساليب في الاختراق وانتهاك البشر في عقر دارهم ولغتهم وجرحهم أيضاً، هو هذا الذي يتقمص أصحابه ملامح الضحية، مثلما كان يفعل الصيادون عندما يغوون الفريسة بارتداء فروة تشبه فروتها أو ريشاً يشبه ريشها.
وليس مهما أن يبدأ السطر المسموم من اليمين الى اليسار أو العكس ليكون عبرياً، ما دام الأهم هو تلك الشحنة السرية والتي تتحول بالتكرار الى ldquo;شيفراrdquo;، يتفاهم بها من يستخدمون الحبر الأبيض في مراسلاتهم ووشاياتهم وسائر ما يمارسون.
لقد كان أبا إيبان وزير الخارجية المزمن للدولة الصهيونية في ربيع الصراع العربي - الصهيوني يتقن اللغة العربية، وقد يصحح لعربي خطأ في جملة أو قصيدة، لهذا أنفق كما قال أموالاً طائلة على مجلات عربية كانت تصدر في اربعينات القرن الماضي، واللسان العربي لإيبان لم يحرره من يهوديته، بل من صهيونيته وراديكاليته في كراهية العرب.
ومن يدري لعل بعض الغلاة ممن يطرحون أنفسهم ملوكاً أكثر من الملك، وأرامل أكثر من الأرملة وأيتاماً أكثر من اليتم، إنما يتسترون بهذا الغلّو لإخفاء تلك النبرة السامة، من أجل تمرير كلمة واحدة في بعض الأحيان، لكنها كلمة السر ومفتاح الكلام كله.
إن اللغة العبرية لم تعد اليوم مجرد ركام من الحروف بل هي فحيح قد يتسلل الى لغة عربية ناصعة الفصاحة، تماماً كما ان باقة الورد يمكن لها ان تكون ملغومة، وقد قتل راجيف غاندي بواحدة من هذه الباقات.
وأحياناً يتباكى وكلاء الاحتلال والمبشرون بدوامه على الفلسطينيين، لأنهم ألحقوا الأذى بأنفسهم، ولم ينتظروا الانصاف يهل عليهم سلمياً من العالم المتحضر، ومن قلاع العدالة! إن من طالب الفلسطينيين بذلك، أراد لهم مصير الهنود الحمر، وتبرع لهم بالتخدير السياسي الشامل وليس الموضعي فقط، لاستئصال الوعي، وقد نفاجأ في المقبل من الأيام بأن هناك من ينصحون الضحية بالصمت، والكف عن الأنين وعض الأصابع كي لا تفسد على الجلاد وليمته وانتصاره، ذلك لكي يقال بأنها ضحية مهذبة، لا ترد الصاع حتى بنصفه، وتدير الخد الأيمن لمن صفعها على الخد الأيسر.
هذه الفلسفة المستحضرة من أردأ إفرازات التاريخ، ومن رخويات الثقافة المستلبة والمحتضرة، لا تليق على الإطلاق بمن يخوضون حربهم الأخيرة دفاعاً عن آخر المعاقل وعن آخر الحروف وعن آخر القبور أيضاً بعد أن زحفت الجرافات على الشواهد.
التعليقات