رافائيل مايندرجيش من الخبراء قوامه 15 ألف خبير يقومون بتقديم الاستشارات للبرلمان الأوروبي حول تشريع على درجة عالية من التعقيد له تأثير في التجارة عندما كان ميشيل روكارد رئيساً لوزراء فرنسا قبل أكثر من عقد مضى كان يتعين عليه أن يواجه النشطاء الذين يعارضون الأسلحة النووية الذين كانوا يحاولون منع فرنسا من إجراء اختبارات للأسلحة في المحيط الهادي.
لكن حتى هذا السياسي الفرنسي المخضرم، الذي أصبح الآن عضواً في البرلمان الأوروبي، تفاجأ من عملية الضغط التي شهدها العام الماضي بعد أن أصبح مسؤولاً عن مراجعة المخططات الخاصة بنظام جديد لبراءات الاختراع في أوروبا الخاصة بالبرمجيات.
وخلال الجلسة الرئيسية التي عقدها البرلمان الأوروبي للتصويت، كان المنظر الذي يطوق اجتماع ستراسبورج عبارة عن مواجهة لم تكن متوقعة بين المحتجين المعارضين لنظام البراءات في قوارب شراعية والمؤيدين لنظام البراءات الذين كانوا يمتطون قوارب تعمل بمحركات.
يقول روكارد: quot; طوال السنوات التي قضيتها في البرلمان لم أشهد على الإطلاق مثل هذا النشاط لجماعات الضغط، وبالتأكيد لم أشهد تحوله لمعركة بحريةquot;.
إن مخططات براءات الاختراع التي رفض أعضاء البرلمان الأوروبي إجازتها في نهاية المطاف تلقي الضوء على النفوذ والقدرة المتزايدة لجماعات الضغط التي تستهدف مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وبصفة خاصة عندما تتعرض مصالح قطاع الأعمال للخطر. وفيما يتعلق بموضوع البراءات، على سبيل المثال، فقد تأثرت كل الشركات العاملة في قطاع التقنية.
وهنالك حوالي 15 ألف من أعضاء جماعات الضغط يحاولون التأثير على صناع القرار في الاتحاد الأوروبي، منهم 4.435 ألف مسجلين رسمياً لدى البرلمان الأوروبي، الذي يضم 732 عضواً. إن حجم حركة جماعات الضغط التي يواجهها الاتحاد الأوروبي تشابه إلى حد كبير حركة جماعات الضغط التي تواجهها واشنطن بدرجة أكبر مما هو الحال بالنسبة لأي دولة من دول الاتحاد الأوروبي الخمس والعشرين. وعلى سبيل المثال، فإن البرلمان الهولندي يضم 150 عضواً ولديه 100 مجموعة ضغط مسجلة.
ويولي مديري الشركات اهتماماً كبيراً بنفوذ وتأثير جماعات الضغط. كما أن الشركات الكبيرة بالإضافة إلى الاتحادات التي تضم الشركات العاملة في هذا القطاع تقوم بتوظيف مكاتب في بروكسل لممارسة الضغوط على أمل أن تضع بصماتها على العملية التشريعية. وفي السنوات الأخيرة حتى الشركات الموجودة خارج أوروبا قامت بافتتاح مكاتب لها هناك- ومن الولايات المتحدة تضم القائمة quot;مايكروسوفتquot; وquot;بروكتر آند جامبلquot; وquot;جنرال موتورزquot;.
ولكن تم أخيراً إخضاع ممارسات الضغط للمراجعة في كل من بروكسل وواشنطن. حيث وضعت المفوضية الأوربية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مبادرة شفافية، تسعى لتحسين العلاقة بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي ومؤسسات الضغط السياسي و بعض المنظمات غير الحكومية في محاولة للحد من تضارب المصالح وتأمين مراقبة أفضل لاستخدام الأموال.
ومن المقرر أن تقوم المفوضية خلال الشهر القادم بطرح موضوع جماعات الضغط في مشاورات عامة يتم فيها التشاور حول هل يتم إنشاء سجل جديد و ميثاق مهني جديد، بعد أن تم اكتشاف أن هنالك فقط 500 من بين 15 ألفاً من مكاتب ومؤسسات جماعات الضغط في بروكسل لديها ميثاق مهني من هذا القبيل.
والأمر الذي كانت له أصداء واسعة، أن الفضيحة السياسية التي أطلقها جاك ابراموف وهو عضو جماعة ضغط قوي في واشنطن، حيث زعم أنه قدم رشاوى لبعض كبار صناع القرار من الحزب الجمهوري، كشفت عن وجود أخطاء خطيرة في نظام جماعات الضغط الأمريكي وهو نظام أكثر رسوخاً وتنظيماً.
يعتقد كثيرون أن هنالك الكثير مما يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتعلمه من فضيحة ابراموف. يقول إيريك وسوليس الباحث في quot;كوربوريت يوروب اوبزرفتاريquot;، وهي جماعة ضغط ممولة تمويلاً خاصاً تنادي بالمزيد من الشفافية في مجال جماعات الضغط: quot;تظهر الفضائح الأمريكية التي حدثت أخيرا أنه بالإمكان أن تحدث تجاوزات حتى في ظل وجود قدر جيد من الإفصاح في مجال جماعات الضغط. فربما تكون هنالك فضائح مماثلة تدور الآن في أوروبا ولكننا لا ندري عنها نظراً لأننا لا نملك الأدوات اللازمة التي تمكننا من التعرف على ذلكquot;.
إن براءات الاختراع الخاصة بالبرمجيات هي مسألة واحدة فقط من العديد من مسائل التشريع التي تثير اهتمام جماعات الضغط والشركات التي تمولهم. وهنالك مسائل أخرى تشمل الاقتراح الجدلي المعروف بـ quot;المدىquot;، المصمم لفرض قوانين أكثر صرامة في مجال إجراء الاختبارات ووضع المعلومات التعريفية على المواد الكيمائية. ولا يوجد سوى عدد قليل من أعضاء البرلمان الأوروبي لديهم معرفة عميقة بهذه المسائل الفنية المعقدة، مما يجعل البرلمان الأوروبي بصفة خاصة أرضاً خصبة للكسب السهل من قبل جماعات الضغط.
وعقب مراجعة نظام البراءات، قال مارك ماك جان، رئيس quot;إييكتquot;ا، وهو اتحاد يمثل بعض الشركات مثل شركت سيمنس وشركة فيلبس: quot; هنالك 732 عضواً في البرلمان الأوروبي ولكن ربما هنالك 20 فقط منهم حاولوا فعلاً فهم ما يتعلق بمسألة البراءاتquot;.
ويدافع بعض أعضاء البرلمان قائلين إن هذا الوضع أمر عادي بالنسبة لبرلمان منتخب بشكل ديمقراطي، حيث يعكس أعضاؤه تنوع الناخبين. وقد اعترف روكارد بأن ملف البرمجيات جعل كل أعضاء البرلمان الأوروبي يضطرون quot; للعودة إلى مقاعد الدراسة لمدة عامينquot; من أجل فهم الجوانب القانونية و الفنية الصعبة.
وإذا أخذنا هذه الفجوة في المعرفة والتأثير الذي يتركه التشريع مثل تشريع quot;المدىquot; على هذا القطاع، فإن العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي يشتكون من أنهم أصبحوا مكشوفين بدرجة كبيرة جداً لجماعات الضغط التي تغمرهم بوابل من المعلومات المضللة. ويقول ايفلين ليشتنبيرجر وهو عضو ألماني في البرلمان الأوروبي بأن بعض ممارسات جماعات الضغط في مسألة البراءات كانت سخيفة بدلاً من أن تكون معلومات مفيدة. وقال: quot; لقد وصلتنا بعض الخطابات كانت مضللة جداً وصلت إلى حد القول إنه في المستقبل لن يقدم أي شخص على اختراع أي شيء إذا لم يتم إقرار نظام البراءاتquot;.
وينتهج بعض أعضاء البرلمان الأوروبي الآخرين مسلكاً فلسفياً تجاه عمل جماعات الضغط غير المرغوب أو الزائد عن الحد. يقول جيادو ساكوني العضو الإيطالي بالبرلمان الأوروبي المسؤول عن مراجعة التشريع الخاص بالمواد الكيمائية: quot; صحيح أن عمل جماعات الضغط أصبح أمراً يصعب السيطرة عليه في هذا البرلمان وكنت أتمنى أن تساعدنا الجهات ذات المصلحة في فهم الجوانب الإيجابية وليس الجوانب السلبية فقط من القوانين مثل قانون quot;المدىquot;. لكن علينا أيضاً أن نقبل هذا الوضع باعتباره ممارسة طبيعية للديمقراطية في العملquot;.
ويدعي بعض الخبراء بأنه يتعين على البرلمان أن يعد نفسه بطريقة أفضل للتعاطي مع المسائل الفنية من خلال زيادة التمويل للاستشارات العلمية المستقلة. ويقول أحد جماعات الضغط المخضرمين في الاتحاد الأوروبي: quot;يستضيف البرلمان كماً هائلاً من الندوات التي لا معنى لها وهو لا يجد بأساً من أن ينفق 145 ألف يورو (175 ألف دولار) في العام على شراء هدايا سخيفة لزواره، ولكنه يجادل بعد ذلك بأنه لا توجد لديه أموال لمساعدة أعضاء البرلمان على فهم المسائل ذات الأهمية المركزية لدورهم التشريعيquot;.
ولكن هنالك علامات تشير إلى وجود تحسن. فقد أنشأ البرلمان أخيراً ميزانية سنوية بمقدار 4.6 مليون دولار تحصل بموجبها اللجان الرئيسية في البرلمان على 100 ألف يورو لكل لجنة من أجل القيام بأبحاث علمية دون أن تعتمد على طلب الاستشارات من وحدة الخيارات العلمية والتقنية التابعة للبرلمان وهي إجراءات مطولة و بطيئة.
يقول بيتر كولينز السكرتير التنفيذي للمجلس الاستشاري العلمي للأكاديميات الأوروبية، وهو اتحاد للأكاديميات العلمية الوطنية: quot; آلية الاستشارات في مكان مثل المملكة المتحدة متطورة، ولكني أرى أن البرلمان الأوروبي يحاول أن يتحرك في اتجاه مماثلquot;.
quot; وإذا أخذنا في الاعتبار أن بروكسل لديها جماعات ضغط أكثر مما هو موجود في المملكة المتحدة، يمكنك أن تتصور لماذا يحتاج البرلمان إلى معلومات جيده في هذا المجالquot;.
إن معظم النقد من جانب أعضاء البرلمان الأوروبي موجه إلى الشركات ذات النفوذ التي تمول جماعات الضغط. ولكن بعضاً من عمليات الضغط المؤثرة التي تقوم بها جماعات الضغط الأوروبية تتم من قبل جماعات ضغط تمثل شركات صغيرة أو تمثل أفراداً من الذين يصعب تتبع أصولهم أو تمويلهم.
وخلال النقاش حول براءات الاختراع الخاصة بالبرمجيات على سبيل المثال، فإن جماعات الضغط التي تمثل الشركات الرائدة في هذه الصناعة مثل quot;سيمنسquot; في ألمانيا وquot;نوكياquot; في فنلندا التي تريد تأمين حماية أقوى لبراءات الاختراع، واجهت معارضة من الشركات الصغيرة والأفراد الذين ينتابهم القلق من أن تشديد إجراءات براءات الاختراع من شأنه أن يخنق الإبداع.
كان جان هوسار البالغ من العمر 23 عاماً الذي يقوم بإنتاج برمجيات للحكومة السلوفاكية، ضمن مجموعة من المتظاهرين الذين عارضوا الاقتراح الخاص ببراءات الاختراع الصيف الماضي.
ويقول إن تكاليف سفره من براتيسلافا وكل المنصرفات في ستراسبورج تم تغطيتها بواسطة مؤسسة خيرية تدعى المؤسسة الخيرية للبنيات الأساسية المجانية للمعلومات، وهي هيئة تمثل ثلاثة آلاف شركة تعارض تشديد الحماية على براءات الاختراع: quot; إن عملي يعتمد على عدم إجازة هذا التشريع الخاص بالبراءات، لذا بالطبع فأنا أهتم بهذا الموضوع- لكن من المحتمل ألا أحضر إلى هنا إذا لم تتم دعوتيquot;.
وربما أن أكثر الآثار الخطيرة المترتبة على زيادة نشاط جماعات الضغط هي تضخيم أعداد التعديلات الناتجة عن التشريعات ذات الطبيعة الفنية. ويحق لأي عضو في البرلمان الأوروبي أن يقدم التعديلات الخاصة به للتصويت على مستوى اللجنة. فعلى سبيل المثال، فإن التصويت الذي تم أخيراً على تشريع quot;المدىquot; تضمن 1.039 ألف تعديل، منها 421 تعديلاً تبناها أعضاء البرلمان.
يقول نيل كورليت الناطق الرسمي باسم المجموعة اللبرالية في البرلمان: quot; لقد تعرض الأعضاء لسيل من المعلومات من أعضاء جماعات الضغط، وخاصةً حول المسائل الفنية، مما جعل من الصعب عليهم معرفة ما هو مهم وما هو غير ذلكquot;.
ويعلق على ذلك بقوله: quot;لكن في نفس الوقت هنالك العديد من هؤلاء الأعضاء يريدون أن يظهروا بمظهر من يقوم بدور نشط، بحيث يقومون بعد ذلك بإقرار بعض هذه المعلومات ويتقدمون بالتعديلات. والنتيجة هي أنه لا تكون لدينا دائماً عملية تصويت سليمةquot;.
عن الإقتصادية
التعليقات