شعبان عبود
منذ أيام التقيت في مقهى فندق الشام في دمشق الصحافية لارا مارلوي مراسلة صحيفة laquo;The Irish Timesraquo;، وهي بالمناسبة زوجة صحافي التحقيقات السياسية الشهير روبرت فيسك، وكانت مارلوي بصدد اجراء العديد من اللقاءات مع كتاب ومثقفين وناشطين ومعارضين سوريين, وخلال اللقاء كان الرئيس الايراني في زيارة رسمية الى دمشق، لا بل كان في تلك الساعة تحديدا عند مقام السيدة زينب يلمس بيديه المانع الحديدي للمقام، وبدت على وجهه علامات التأثر الشديد، مثله مثل غالبية المسلمين الشيعة المؤمنين، عندما يصلون الى تلك المقامات التي تذكرهم بالتاريخ الحزين ومآسي آل بيت الرسول محمد.
السيدة مارلوي سألتني بمناسبة زيارة نجاد لدمشق أسئلة عدة عن سورية وايران, لكن ما لفت نظري من ذلك كله، السؤال التالي: laquo;ما الذي يجمع شخصا منفتحا وعصريا درس في الغرب، ويملك عقلا منفتحا كبشار الأسد مع الرئيس أحمدي نجاد، وهو رجل دين أكثر مما هو رئيس دولة؟raquo;.
بكل تأكيد انه سؤال مشروع، عدا عن كونه حقاً للصحافي الذي يريد أن يفهم كل تفاصيل موضوعه الذي سيكتب عنه، خصوصا اذا كان من بيئة مختلفة وبعيدا عن المناخ السياسي للشرق الأوسط وطبيعة التحالفات التي تجمع ما بين بعض الدول والقادة كسورية وايران.
كانت اجاباتي وقتها أن حجم الضغط الذي تتلقاه سورية من الولايات المتحدة، اضافة الى سعيها لعزل نظام الرئيس السوري اقليميا وأوروبيا، يجعل الرئيس بشار الأسد وبغض النظر عن طبيعة ميوله واتجاهاته، يفضل التحالف مع ايران ليحدث نوعا من التوازن, بمعنى من المعاني، ليس المهم في مثل هذه الحال عقل الرجل واتجاهاته وميوله، بل مهامه ورؤيته كرئيس دولة محاصر، وتحت الضغط يبحث عن مصالح نظامه ومجتمعه.
ثمة أسباب أخرى كثيرة للتحالف السوري - الايراني، وقد كتب عن ذلك الكثير، منها المسألة الطائفية والدينية التي تقدم تفسيرا سهلا للبعض عن أسباب التحالف الذي يجمع بين كل من طهران laquo;الشيعيةraquo; ودمشق laquo;اذ ان النظام علوي مقرب من الشيعةraquo; وlaquo;حزب اللهraquo; وحركة laquo;أملraquo; الحزبان الشيعيان في لبنان منذ الثمانينات وحتى اليوم, لكن في هذا السياق، يجب أن نذّكر أن دمشق وطهران تصارعتا عسكريا في لبنان من خلال حليفيهما laquo;حزب اللهraquo; المقرب والمدعوم من ايران وlaquo;حركة أملraquo; المقربة من دمشق، ووقتها كان الصراع دمويا, ان ذلك ينقض هذا التفسير، رغم أنه لا يلغيه تماما من حسابات المراقب.
وفي عموم الأحوال يبدو تقارب الأسد والتقاؤه مع نجاد، رغم التناقض الظاهر في طبيعة الرجلين طبيعيا في ظل شعور متبادل بأن نظاميهما مستهدفان من الولايات المتحدة، وان على خلفيات غير مشتركة, اذ يشكل الملف النووي الايراني أحد أهم أسباب حساسية الولايات المتحدة وأوروبا اضافة الى دول الخليج العربي من ايران، وضغطهم عليها، بينما يشكل العامل اللبناني وعلاقة سورية مع أطراف مناهضة لاسرائيل والولايات المتحدة أحد أهم الأسباب لحنق واشنطن على النظام السوري والرئيس بشار الأسد.
وعليه، ألا يتحمل الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة اضافة الى بريطانيا وفرنسا، جزءا من المسؤولية في ذهاب دمشق بعيدا في علاقتها مع ايران، وفي لقاء شخصين مختلفين كبشار الأسد وأحمدي نجاد؟
بكل تأكيد ثمة عقود من العلاقة الثنائية ساهمت في تجاوز البلدين لكثير من المحن والعثرات، وصولا لحال من التحالف المشترك، لكن ذلك لا يعني أن النظامين تقاربا لدرجة غابت معها الخلافات, لقد أخبرني صديق ايراني أن ثمة اتفاقا وشبه اجماع بين البلدين على الملفين اللبناني والفلسطيني، لكن ذلك لا ينطبق على العراق.
جوهر التباين السوري - الايراني، بدأ منذ اللحظة الأولى للاحتلال الاميركي للعراق، وقتها كانت طهران سعيدة بسقوط خصمها اللدود صدام حسين، ونظرت بسعادة لسقوط تمثاله في ساحة الفردوس في بغداد ربيع عام 2003، لكن دمشق ونظامها لم يكونا كذلك، رغم كل ما تحمله ذاكرة البعث السوري من آلام كان يقف وراءها بعث العراق وصدام حسين.
فدمشق كانت ترى في ذلك مجرد خطوة أولى على طريق ضربها، وكانت ترى في ذلك خسارة لعمقها العربي، وبؤرة توتر جديدة على حدودها الشرقية، وفوق ذلك كله، تنحية لقضية العرب المركزية فلسطين، وبالتالي اضعاف أوراقها وتشتت العرب, طبعا هذا عدا عن الخسارة الاقتصادية الكبيرة، اذ كانت الحدود المفتوحة مع العراق تؤمن لدمشق ما مقداره مليارا دولار سنويا جراء الحصار على النظام العراقي.
لهذه الأسباب ومن وقتها، استمر الخلاف السوري - الايراني في الرؤية للموضوع العراقي، ومع الأيام راحت طهران تدعم فريقا في العراق يشبهها ويكرس مصالحها، بينما دعمت دمشق كل من هو مقاوم للاحتلال الاميركي, هذا التباين السوري - الايراني فرض نفسه في غالبية النقاشات المشتركة بين مسؤولي البلدين، وقد كانت وجهة نظر طهران في تلك النقاشات تتركز على التالي: أن يقوم البلدان بدعم طرف عراقي واحد اسوة بالتجربة الناجحة في لبنان حين دعما laquo;حزب اللهraquo; وصولا الى تحرير الجنوب، ومن ثم تقبل الاحتلال الاميركي كأمر واقعي حتى يزول, اذ ان الاستقرار وتركز الجهود السورية - الايرانية على دعم العملية السياسية وطرف واحد في العراق سيؤدي بالنتيجة الى خروج القوات الاميركية، ويبطل الذرائع التي تتلطى خلفها لبقائها في العراق, طبعا كانت لدمشق وجهة نظر مختلفة.
ان ذلك ايضا يثبت أنه لا يوجد اتفاق كامل بين بشار الأسد وبين أحمدي نجاد، او بين دمشق وطهران، هنا يغيب ويضمحل التفسير الديني الطائفي لأسباب التقارب والتحالف، ويتكرس السبب المصلحي والرؤية الخاصة لكل نظام.
عود على بدء، فان ما يجمع الرئيس الأسد ذا العقل المنفتح، والذي تلقى بعضا من علومه في الغرب، مع رئيس خرج من تحت عباءة الملالي في ايران، هو الشعور بالحاجة الى الآخر في مناخ عدائي يستهدفهما معا, وهناك أسباب كثيرة غير ذلك، من بينها أن دمشق تشكل بالنسبة الى طهران نافذة على الخليج والدول العربية والصراع العربي - الاسرائيلي، فيما توفر طهران لدمشق عمقا استراتيجيا بديلا للعمق العربي الذي بدأ يضمحل بعد التواجد الاميركي المباشر في المنطقة، كذلك توفر طهران لدمشق ظهر أمان اقتصادي في حال حصول حصار اقتصادي عليها.
كاتب سوري
التعليقات