عبد الرحمن الراشد


مفاجأة الشهر هي في اعلان القاهرة عن رغبتها في اللجوء الى الطاقة النووية، ثلاث مفاعلات لا واحد. ومن الطبيعي ان تأتي ردود الفعل عليه مختلفة.

المعارضة المصرية تزعم انها مجرد دعاية صممها حزب الحكومة بحثا عن الشعبية ومزايدة على المزايدين.

وهناك علماء مصريون يعتبرونها حاجة ضرورية مذكرين الجميع بان مصر كانت من أقدم دول العالم محاولة في ادخال الطاقة النووية في عام 56.

وهناك من يعتبره حقا طبيعيا، خاصة ان الرجل المسؤول عن الذرة في العالم اليوم مصري، اي الدكتورمحمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فكيف لا تملك بلاده محطة نووية واحدة.

وهناك من يقول انها ليست كهرباء نووية سلمية بل خطة سرية لبناء قنبلة مصر النووية الأولى ردا على ترسانة العدوين الاسرائيلي والايراني.

وسواء كانت دعاية حزبية او مشروعا سريا فان الحديث عن الحل السحري النووي سيثير شهية الكثيرين للمطالبة بـlaquo;التنورraquo; الذري رمز فخر التقدم العلمي الذي لا يماثله الا منصة اطلاق السفن الفضائية في هيوستن. السؤال: هل هو خيار سليم لمصر؟

حتى لا نطيل في نقاش عن الخيار النووي العسكري المصري نختصره بالقول انه شبه مستحيل في مناخ التوازن العسكري القائم حيث سيحيله الاسرائيليون الى تراب في دقائق كما فعلوا بمفاعل تموز صدام حسين. لكن يبقى الحديث عن بناء مفاعل نووي سلمي قد يحول الى عسكري مستقبلا، وهو ما سيجعل الاعلان المصري محل خلاف مستقبلا. فالسلاح النووي الايراني اليوم جاء اصلا من مشروع الطاقة النووية السلمية التي بدأها الشاه قبل خلعه. وكذلك الحال بالنسبة للسلاح النووي الباكستاني والكوري والهندي ولدت جميعها سرا في افران مدنية.

سياسيا لا احد يشكك في عقلانية ادارة الرئيس حسني مبارك الذي يجعل البعض يتساءل اذا لماذا يشكك في نوايا حكومته ويسمح لدول مارقة بالطاقة النووية؟

هنا تدخل حسابات أخرى، فالحاضر متفق عليه لكن المستقبل السياسي في مصر ليس مؤكدا. ورغم الموانع القائمة اليوم فان وصول الاخوان المسلمين الى الحكم ليس مستبعدا، كما آل الحال في فلسطين بانتصار تنظيم حماس. ولعل ادارة حماس السيئة ومواقفها الصريحة بعد توليها الحكومة عزز حجة الكثيرين المحذرين من السماح للاخوان من الفوز، فمصر في حجمها وتأثيرها أكبر وأخطر من أن تقارن بالاردن او فلسطين ولا يمكن ان تسلم لتنظيم الاخوان سلميا. ولكن مع اصرار الولايات المتحدة على المبدأ الانتخابي وعجز النظام الحالي عن استيلاد منافسين جذابين للشارع المصري فان وصول الاخوان ليس مستحيلا.

وبغض النظر عما سيؤول اليه مستقبل الحكم فان الطموح النووي ظل في المنطقة يروى من جانب واحد كرمز للقوة دون ان يقال للناس حقائق مرتبطة به، حيث السرطانات والمخاطر العسكرية والتكاليف الخيالية. ان تكاليف التخلص من قمامة المفاعلات النووية في بريطانيا تجاوزت 130 مليار دولار وهنا عليكم ان تتخيلوا ما الذي سيحدث في منطقتنا حيث سوء الادارة والصيانة والسلامة والمحاسبة.