التنظيم المسلح الجزائري ينقل laquo;دار الحربraquo; إلى الأراضي الفرنسية بدعم من laquo;القاعدةraquo;
باريس تراهن على تعاون الجزائر وخطط لمحو laquo;الفقر والإقصاءraquo;
الجزائر - محمد المقدم
يرى محللون إن laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; قد تعمد إلى تنفيذ اعتداءات إرهابية ضد أهداف فرنسية مستقبلاً، بعد أن حصلت على laquo;تزكيةraquo; من تنظيم laquo;القاعدةraquo; الذي أعلن قبول عضوية التنظيم المسلح الجزائري في صفوفه للمرة الأولى منذ تصاعد أعمال العنف في الجزائر مطلع العام 1992.
وإذا كانت السلطات الفرنسية وضعت خططاً أمنية لمواجهة هذه التهديدات منذ أكثر من ثلاث سنوات، فإن ثمة معلومات عن ان laquo;الجماعة السلفيةraquo; التي ركزت على تهديداتها على فرنسا، لم تتردد هي الأخرى في زرع خلايا نشطة في مختلف المدن الفرنسية في محاولة للتحضير لاعتداءات استعراضية.
ويقول خبراء في الشأن الأمني إن التطورات الأمنية التي عرفتها فرنسا خلال السنوات الأخيرة أكدت أن التهديدات بتنفيذ اعتداءات إرهابية صادرة بالدرجة الأولى عن laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; التي لها حضور قوي في المشهد الفرنسي، ورجحت أن يكون تنظيم laquo;القاعدةraquo; بصدد التنسيق مع laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; بهدف وضع خطط إرهابية على الأرض لضرب المصالح الفرنسية.
وقبل سنة كشفت السلطات الجزائرية عن خطة كان المسلح الجزائري المدعو laquo;بن يمينةraquo; يعتزم تنفيذها. وتشير تقارير الأمن الجزائري والفرنسي الى أن المذكور كان بصدد وضع اللمسات الأخيرة لتنفيذ اعتداءات إرهابية ضد أهداف عدة منها تفجير مطار أورلي الدولي قرب باريس، ومبنى جهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسية laquo;مديرية أمن الأراضيraquo; (DST). وأفرجت السلطات الجزائرية في شهر آذار (مارس) الماضي عن بن يمينة في إطار تنفيذ أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لكنها عادت واعتقلته بعد أسبوع من ذلك وتحدثت عن laquo;خطأ قضائيraquo; خلال عملية الإفراج عنه وهو امر لم تستسغه الأجهزة الأمنية الفرنسية.
وتقول مراجع على صلة بملف الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية، ان السلطات في باريس تتخوف من أن تستغل laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; عودة بعض ناشطيها في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية إلى ذويهم لإعادة تجنيدهم خارج الجزائر ضمن خطط لضرب مصالح أجنبية.
وأعلن وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني أن نحو 300 عنصر مسلح استفادوا خلال الأشهر الستة الماضية من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية التي مكنتهم من الحصول على عفو ووقف الملاحقات القضائية شرط التعهد بعدم العودة إلى النشاط المسلح مرة أخرى.
لا ضمانات كاملة بعدم رجوع بعض هؤلاء إلى العمل المسلح مرة ثانية، كما تبين إثر مبادرة قانون الوئام المدني في العام 1999، إذ ان بعض laquo;التائبينraquo; من الجماعات المسلحة عادوا للنشاط المسلح لاحقاً على رغم استفادتهم من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطـنية، على ما أعلنته السلطات.
وأفادت صحف فرنسية أخيراً أن الأجهزة الأمنية الفرنسية تخشى أن تعمد laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; إلى تشكيل خلايا جديدة تضم المستفيدين من إجراءات المصالحة الوطنية من المفرج عنهم أو laquo;التائبينraquo; الذين قد يغادرون الجزائر نحو الخارج، وإعادة تجنيدهم في فرنسا لتفعيل النشاط المسلح واستهداف المصالح الفرنسية والغربية وخصوصاً أن هؤلاء يستفيدون اليوم من جمع الأموال والتبرعات بحسب التحقيقات الأمنية.
ضرب فرنسا لكسب الدعم
كانت تهديدات laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; ضد فرنسا، تكتسي، منذ نهاية التسعينات، بالدرجة الأولى طابعاً سياسياً. ولم تكن هناك أي نيات لنقل العمل المسلح إلى الأراضي الفرنسية على رغم صدور بيانات تحذيرية عدة في السابق.
وباستثناء سلسلة الاعتداءات الإرهابية التي نفذتها laquo;الجماعة الإسلامية المسلحةraquo; ضد أهداف محددة في الأراضي الفرنسية بين الأعوام 1994 و1996 خلال فترة قيادة جمال زيتوني المدعو laquo;أبو عبدالرحمان أمينraquo; للجماعة, والتي كان أبرزها خطف طائرة الإيرباص الفرنسية ومحاولة تفجيرها على برج إيفيل في وسط باريس، فإن laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; فضلت منذ تأسيسها أواخر عام 1998 الاكتفاء بلهجة التهديد فقط، على اعتبار أن أغلب الجماعات المسلحة في الجزائر تعتقد أن السلطات الفرنسية توفر الدعم للسلطات الجزائرية، وهي المزاعم التي كثيراً ما كذبها صراحة القائد السابق لأركان الجيش الجزائري الفريق محمد العماري.
لكن، ومنذ اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، اهتزت laquo;الجماعة السلفيةraquo; مرات عدة على وقع خلافات حول جدوى الانضمام إلى laquo;القاعدةraquo;. وفي حين رفض حسان حطاب أمير ومؤسس التنظيم المسلح الانضمام إلى laquo;القاعدةraquo; وفقاً لما أكده في حوار خص به laquo;الحياةraquo; أواخر العام الماضي، فإن قيادات التنظيم المسلح، وعلى رأسها عماري صايفي المدعو laquo;عبد الرزاق الباراraquo; ويكنى أيضاً laquo;أبو حيدرة الأوراسيraquo;، لم تتردد في شهر شباط (فبراير) 2003 في خطف 40 سائحاً أوروبياً ونقلهم إلى خارج الجزائر قبل أن يفرج عنهم بعد دفع فدية بقيمة 6 ملايين أورو سلمت بوساطة مؤسسة خيرية ليبية بطلب من السلطات الألمانية في شمال جمهورية مالي.
وكانت هذه الحادثة الأكثر أهمية في نشاط laquo;الجماعة المسلحةraquo; قبل أن يتم توقيف المجموعة التي وقفت وراءها، في شهر آذار عام 2004 شمال التشاد حيث تم الكشف لأول مرة عن اتصالات هاتفية مباشرة مع أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم laquo;القاعدةraquo;. وقد عجلت هذه الحادثة برحيل حسان حطاب الذي اعترض على نقل laquo;المعركةraquo; الى خارج الجزائر، وتم تعيين نبيل صحراوي المدعو laquo;أبو إبراهيم مصطفىraquo; على رأس قيادة التنظيم المسلح وأعلن صحراوي ولاء laquo;الجماعة السلفيةraquo; إلى تنظيم laquo;القاعدةraquo; وإلى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
ومنذ أواخر العام 2003 تلاحظ السلطات الأمنية في الجزائر وفرنسا تصاعد التهديدات الإرهابية في الأراضي الفرنسية. وقد تم تفكيك الكثير من الشبكات التي كانت تنشط هناك وتبين أن laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; كانت تعمد إلى إرسال عناصرها إلى لبنان بقصد الحصول على تدريب عسكري بدل نقلهم إلى معاقل laquo;الجماعة السلفيةraquo; في الجزائر لتجنب أي شبهة أو شكوك من قبل الجهات الأمنية.
على خطى laquo;القاعدةraquo;
وكشفت laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; في آخر بيان لها صدر في 14 أيلول الماضي، عن قبول laquo;القاعدةraquo; عضوية عناصر هذا التنظيم فيها، وعبرت الجماعة عن رغبتها في نقل المعركة إلى خارج الجزائر وعدم الاكتفاء في مواجهة السلطات الجزائرية كما كان الأمر في السابق. وذكرت في البيان أن إعلان الولاء جاء laquo;في هذا الوقت العصيب الذي تمالأت فيه قوى الطغيان بأسرها على أمّة الإسلام... وفي هذه الأيّام الكالحة التي أعلن فيها التحالف الصهيوصليبي وعبيده المرتدون حربهم الشاملة على الإسلام وأهلهraquo;.
وأوردت في البيان الذي أصدرته على موقعها على الإنترنت ووقعه أمير التنظيم المسلح laquo;أبو مصعب عبد الودودraquo; واسمه الحقيقي عبد المالك دردقال، أن قرار الالتحاق بتنظيم laquo;القاعدةraquo; كان laquo;بعد مشورة واستخارةraquo;. وأضافت: laquo;قررنا أن نبايع أسامة بن لادن ونعطيه صفقة أيدينا وثمرة قلوبنا، ونواصل جهادنا في الجزائر جنوداً تحت إمرته (...) فلن يجد منا إلا السمع والطاعة ولن يرى منا إلا ما يسرهraquo;.
ورأت الجماعة أن الانضمام إلى laquo;القاعدةraquo; أملته الحاجة إلى مواجهة laquo;هذه التحالفات الشيطانية فهل يصح في شرع أو عقل أن يبقى المجاهدون متفرقين؟... وهل من السياسة الشرعية أو من الحنكة العسكرية أن تبقى الجهود مبعثرة والجماعات مشتتة و المسلمون شراذم كالأيتام على موائد اللئام؟raquo;. وقالت إنها مع توحيد جهود الجماعات الذين عليهم laquo;أن يواجهوا التكتلات بالتكتلات ويتصدوا للأحلاف بالأحلاف ويقابلوا حشد القوة بحشد القوة ويكسروا الوحدة بالوحدةraquo;. ورأت أن laquo;الولايات المتحدة الأميركية لا يكسر شوكتها إلا الولايات المتحدة الإسلامية وأمّا التشرذم والتشتت والتفرق فإنه لا يهزم عدواً ولا يسترجع حقاً ولا يردع ظالماً ولا ينصر ديناً ولا يرفع رايةraquo;.
وأثنت على تنظيم laquo;القاعدةraquo; وقالت: laquo;لما كانت سيرة هؤلاء الاخوة نقية ساطعة لا غبار عليها تدور مع الكتاب والسنّة، وفتاواهم تميل مع الشرع حيث مال وكانت سياساتهم حكيمة راشدة، كما نحسبهم والله حسيبهم، حصل لنا الاطمئنان التام في دينهم وعقيدتهم ومنهجهم وطريقتهم وحصلت لنا الثقة الكاملة في قيادتهم وشيوخهم، وسكنت نفوسنا إليهمraquo;.
مذكرة أمنية فرنسية
وقبل أسابيع أوردت تقارير أجهزة الأمن الفرنسية معلومات جديدة تشير إلى تراجع قوة التنظيم السلفي الجزائري لكنها اعترفت بأنه لا يزال يملك القدرة على ضرب المصالح الفرنسية داخل الأراضي الفرنسية وخارجها.
ونقلت صحيفة laquo;لوفيغاروraquo; الفرنسية قبل أسابيع مذكرة أمنية أعدتها laquo;وحدة التنسيق لمكافحة الإرهابraquo; كشفت فيها أن laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتال كانت تواجه صعوبات ميدانية وتمر في مرحلة ضعفraquo;، وأن الشبكات التابعة لها المتواجدة في فرنسا وبعض الدول الأوروبية laquo;ليست على ما يرامraquo; خصوصاً في ظل الحملات والمداهمات. لكن المذكرة تشير إلى laquo;إعادة التنظيم ترتيب قواعده وهياكله خلال السنوات الثلاث الأخيرة في أوروباraquo;.
وإن اعترفت المذكرة بـ laquo;صعوبة تحديد تحركات عناصر هذا التنظيم وخطورتهمraquo;، إلا أنها أشارت إلى laquo;إعادة تنشيط الخلايا النائمة وتفعيل التنسيق مع الخلايا النشطة في العراق وباكستان وأفغانستان انطلاقاً من قواعدها في إيطاليا وألمانياraquo;.
وأشارت الى كشف أجهزة الأمن الفرنسي شبكة كبيرة من المتعاطفين مع laquo;الجماعة السلفية للدعوة والقتالraquo; تشكلت في فرنسا، وخطورتها تمتد إلى خارج فرنسا وأضافت أن هؤلاء يهددون المصالح الفرنسية في الداخل والخارج، واستندت إلى استهداف وفد من السياح الفرنسيين في النيجر في عام 2006.
باريس ورسالة الظواهري
واعترف الوزير الأول الفرنسي دومينيك دوفيلبان بأن هناك فعلاً laquo;تهديداً إرهابياraquo; ضد المصالح والأراضي الفرنسية. وقدر أن laquo;الوضع ينذر بالخطورةraquo;, مشيراً الى ان laquo;لا يجب التخفيف من الحذر واليقظةraquo;. وقال إن ما توفر من معلومات لدى السلطات الفرنسية laquo;يؤكد هذه المخاوف ويجب أن نتحلى بأقصى درجة من اليقظة وأن نكون حذرين كما كنا منذ سنواتraquo;. وأضاف: laquo;الوضع يدفع لاتخاذ جميع الإجراءات الوقائيةraquo;.
وعلى رغم سلسلة التهديدات التي واجهتها فرنسا منذ أحداث 11 ايلول في الولايات المتحدة الأميركية، اعتبر دوفيلبان الرسائل الأخيرة لتنظيم laquo;القاعدةraquo; تعكس الدرجة العالية laquo;لخطورة التهديدات الإرهابية على فرنساraquo; كما أن نشر البيان laquo;يؤكد تقويمنا لهذه الخطورة على بلدنا ودول أخرىraquo;.
من جهتها أكدت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية أن الحكومة laquo;تسعى لمواكبة عمليات مكافحة الإرهاب بسياسة اجتماعية تهدف لاستئصال الأسباب والمحيط الذي يخلق إرهابيين جدداًraquo;، مشيرة إلى laquo;الجهود المبذولة للتخفيف من حدة النزاع في الشرق الأوسطraquo;.
أما وزير الداخلية نيكولا ساركوزي فعلق على تهدديدات laquo;القاعدةraquo; قائلاً: laquo;أخذنا الموضوع بجدية على رغم اعتبارنا الخطر الإرهابي منذ مدة بأنه دائم وقائم وسيشهد تصعيداً وكنا ندرك منذ مدة أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال خليفة الجماعة الإسلامية المسلحة ستلتحق بتنظيم القاعدةraquo;.
التعليقات