حكم البابا

حتي الآن اتهم اثنان من رؤساء الوزارة في سورية بالفساد، أولهما السيد محمود الزعبي الذي انتحر دون أن نعرف إلي اليوم كشفاً رسمياً للقضايا التي اتهم فيها بالفساد، وثانيهما السيد محمد مصطفي ميرو الذي صدر مؤخراً قرار بالحجز علي أمواله ضماناً لحقوق الخزينة العامة بمبالغ تقدر بأكثر من خمسين مليون ليرة سورية، من دور تفسير رسمي لسبب ضياع هذه الملايين الخمسين!
وحتي الآن أعفي أكثر من وزير في أكثر من وزارة سورية من مناصبهم فجأة ـ بسرعة لم تنتظر تغييراً أو حتي تعديلاً وزارياً ـ من دون شرح لأسباب تنحيتهم، ودخل أكثر من وزير السجن بتهم تتعلق بالفساد من دون إعلان للمخالفات التي ارتكبوها!

وحتي الآن استبدل أكثر من وزير في أكثر من وزارة سورية (وخاصة وزراء الاعلام والثقافة في السنوات الأخيرة، الذين لم يعمر أطولهم جلوساً علي كرسيه أكثر من عامين) لعدم أهليتهم أو لسوء أدائهم أو لارتباك تصريحاتهم، وجري كل ذلك بدون أن يكلف أحد نفسه تأكيد أو نفي الشائعات التي راجت عن أسباب استبدالهم، وتوضيح الأسباب الحقيقية لهذه الحركة السريعة في تغيير وجوه الوزراء عدنان عمران وأحمد الحسن ومهدي دخل الله وصولاً إلي محسن بلال في الإعلام، ومها قنوت ومحمود السيد وصولاً إلي رياض نعسان آغا في الثقافة، بعد أن اعتاد السوريون علي جمود وصل إلي حدود الربع قرن لوزير الثقافة الأسبق الدكتورة نجاح العطار، ومايقارب دزينة من السنوات لوزير الإعلام الأسبق الأستاذ محمد سلمان.

وبغض النظر عن مختلف الآراء التي يعتبر بعضها أن ما جري لهؤلاء وغيرهم من المسؤولين عقاب عادل لهم ودرس لسواهم، ويعتبر بعضها الآخر أن هؤلاء ليسوا أكثر من أكباش فداء، باعتبار أن حجم الفساد أوسع بكثير من هذه الأسماء المعدودة، فإن إقالة وزير أو سجن آخر أو محاسبة رئيس وزارة لاتعني إصلاحاً مادامت القرارات التي اتخذها هذا المسؤول الفاسد سارية المفعول، يعمل بموجبها خلفه، ومادام المظلومون في عهد السلف لم ينصفوا في عهد الخلف، ومادامت الآليات وشرط تقدم الولاء علي الكفاءة الذي يأتي بمسؤول أو يذهب به لايتغير، فإذا كانت الحكومة الحالية تعتبر رئيس الوزارة السابق مصطفي ميرو فاسداً بدليل حجزها علي أمواله، فهل ستعيد النظر بقراراته السابقة؟ وهل ستعود مثلاً عن إجرائه الظالم بحق جريدة الدومري التي أغلقها وسحب منها الترخيص، بناء علي اقتراح وزير الإعلام الأسبق عدنان عمران الذي خرج من الوزارة غير مأسوف علي عهده إعلامياً ورسمياً؟ أم أنها ستكتفي بالمطالبة بالخمسين مليون ليرة المجهولة ضماناً لحقوق الخزينة العامة فقط؟! وأنا أعتقد أن ما فعله السيد ميرو ـ علي الأقل في موضوع جريدة الدومري ـ ألحق ضرراً بسورية وسمعتها أكثر بما لايقاس من موضوع الخمسين مليون ليرة المجهولة.

سورية بحاجة إلي إصلاح حقيقي وليس مجرد أداء شكلي يذهب بالفاسد ويترك قراراته الفاسدة ومظالمه بحق البلاد والعباد سارية المفعول، فالسوريون يهمهم إصلاح الحصول علي العنب، لا إصلاح قتل الناطور كما يحصل اليوم، وبغياب الشفافية والعلنية في المحاسبة، والركون فقط إلي إطلاق تهمة الفساد بعمومية، لا أحد يفهم كيف ومتي ولماذا يتحول أي مسؤول في سورية إلي فاسد، ومن يدري فقد تتهم في المستقبل الحكومة الحالية بالفساد ويشهّر بها، من دون أن يتم التراجع عن قرارها الظالم بتسريح سبعة عشر موظفاً من عملهم وقطع أرزاقهم لمجرد توقيعهم علي بيان!!